هل يعد وجود الغير ضروري بالنسبة للذات؟ نموذج تحليل السؤال مادة الفلسفة
هل وجود الغير ضروري للوعي بالذات سؤال فلسفي. هل وجود الغير ضروري وعي الذات بذاتها.وجود الغير ضروري سارتر هل وجود الغير ضروري بالنسبة للأنا،
1) الفهم:
تفكيك السؤال ودلالة المفاهيم - المفاتيح -
"هل": أداة استفهامية تطالب من يوجه إليه السؤال بالإدلاء بموقف أو تقديم جواب قد - يتضمن النفي أو الإثبات، ومن ثم فإن السؤال يحتمل ثلاثة مواقف ممكنة:
الإمكانية الأولى: يعد وجود الغير غير ضروري بالنسبة للذات.
الذات ممكن تخلى على الغير، استغناء قد يشمل كل ما يمس الذات من بعيد أو من قريب، فلا تكون في حاجة ليس فقط لتقديم المساعدة، كيفما كانت، بل حتى فيما يتعلق بوجود هذه الذات ومعرفتها لوجودها.
الإمكانية الثانية: يعد وجود الغير ضروريا بالنسبة للذات.
ويؤكد هذا الموقف على ما يلعبه الغير من أدوار أساسية وحاسمة في وجودنا وإدراكنا لهذا الوجود، يعني أنه بنية مكملة لذواتنا لا يمكن الاستغناء عنها. ساتر جيل دولوز
الإمكانية الثالثة (مضمرة في السؤال):
إن وجود الغير ضروري، لكنه غير كاف. إذا كانت أهمية الغير لا تنكر إلا أنه قد يتحول، في نظر البعض، إلى سلطة تعرقل تطور الذات وعائقا يحول دون تحررها من الحياة النمطية ومن عقلية القطيع.
2) تحديد دلالة المفاهيم المتضمنة في السؤال:
مفهوم الغير:
الغير هو الطبعة الإنسانية لمفهوم الآخر، لكن الغير ليس فقط إنسانا آخر بل هو أنا آخر، إنه المماثل والمختلف في آن واحد. إن الغير، وإن كان ليس الأنا إنه حسب سارتر SARTRE " الأنا الذي ليس أنا " LE MOI QUI N'EST PAS MOI
مفهوم الضرورة:
الضروري هو الذي مالابد منه، والذي لا يمكن تصور شيء ما بدونه، أي ما يكون وجود شيء ما متوقفا عليه.
مفهوم الذات:
والمقصود به الأنا في مقابل ما ليس أنا (الأغيار وموضوعات العالم) أي الكائن الذي يعي ذاته بكيفية حدسية، وما يعني ذلك من وحدة وهوية، حيث يشير إلى الخصائص التي ميز كل فرد على مستوى الأفعال والأفكار والأحاسيس والمشاعر والرغبات.
إعادة صياغة الإشكال المتضمن في السؤال: ماذا يمثل وجود الغير بالنسبة للذات؟
هل يعد وجوده ضروريا، بحيث لا يمكن الاستغناء عنه سواء تعلق الأمر بالوجود الذاتي أو بمعرفة هذا الوجود أم أن وجوده غير ضروري وبالتالي يمكن اللذات أن تستغني عنه؟ وإذا كان وجوده ضروريا هل هو كاف أم غير كاف بالنسبة للوجود الذاتي الأصيل؟
3) التحليل
بداية يمكن الإشارة إلى أن ظهور إشكالية الغير ظهرت في تاريخ الفلسفة في سياق الفلسفة الحديثة لهذا نحتاج الحديث عن الإمكانية الأولى التي لا تعرف بوجود الغير، ولعل ديكارت هو الممثل الأول لهذا التصور.
هل الذات في حاجة للغير لكي تثبت ذاتها وتحقق وعيا ذاتيا حقيقيا بذاتها؟
المنهج الذي اعتمده ديكارت في البحث يبين بأنه سيجيب بالنفي على سؤالنا، لأن الذات الديكارتية ذات متوحدة، مكتفية بذاتها، لا يلعب الغير في تشكل وعيها بذاتها دور الوسيط.
إذ أن الشك المنهجي الذي أخضع له ديكارت کل مكتسباته المعرفية، سينتهي به إلى يقين أول فرض نفسه عليه فرضا، باعتباره فكرة واضحة ومتميزة أي بديهية، وهو التيقن من أنه موجود ما دام يفكر- هذا هو ما يعرف بالكوجيطو (Cogito) أي فعل التفكير الذي تتعرف من خلاله الذات على نفسها بوصفها ذاتا واعية.
يقول ديكارت في المقال الرابع من "قواعد في المنهج" "بينما كنت أريد أن أعتقد أن كل شيء باطل، فقد كان حتما بالضرورة أن أكون أنا صاحب هذا التفكير .....ولما انتهيت إلى أن هذه الحقيقة أنا أفكر إذا أنا موجود، هي من الثبات والوثاقة بحيث لا يستطيع الشكاك زعزعتها....."
بهذا المعنى فإن إن اليقين الذاتي، في الفلسفة الديكارتية، يسبق اليقين الذي لديه عن بقية العالم بما فيه وجود الغير. وهو يقين انبثق حدسيا من خلال تجربة الكوجيطو، باعتبارها تجربة تأمل ذاتي باطني.
يبدو أن فلسفة الوعي الديكارتية هي فلسفة موجود مفكر يستخرج الحقائق من ذاته كما يفرز العنكبوت خيوط نسيجه من ذاته، وهذا لأن الذات، كما تصورها ديكارت، قادرة على الاستغناء عن الغير، كوسيط، في وعيها لذاتها وإدراکها لطبيعتها، بل إن وجود الغير، في نظر دیکارت، هو الذي يتوقف على حكم العقل وعلى استدلالاته.
حيث يقول ديكارت: "انظر من النافذة فأشاهد، بالمصادفة، أناسا يسيرون في الشارع، فلا يفوتني أن أقول، عند رؤيتهم، أني أرى أناسا يعينهم، ومع أني لا أرى من النافذة غير قبعات ومعاطف قد تكون غطاءا الآلات صناعية تحركها دواليب، إلا أنني أحكم بأنهم أناس. وإذن أنا أدرك بمحض ما في ذهني من قوة الحكم ما كنت أحسب أني أراه بعيني".
رغم اعتماده على منهج الإستدلال عن طريق المماثلة، لتأكيد وجود الغير، هذا التأكيد الذي يبقى، مع ذلك، احتماليا وليس يقينيا يقين الكوجيطو، فإنه لم يتمكن من خلال هذا الإستدلال، أن يتخلص من نزعة "أنا وحدي موجود" (Solipsisme) ومن الخروج من العزلة الفلسفية.
4) المناقشة: الغير في الفلسفة المعاصرة:
لكن هذا التصور تعرض للنقد من طرف الفلسفة المعاصرة، التي ترى أن الذات توجد في بعد علائقي، أو علاقة "بين- ذاتية"، إذن فإن مشكلة الفلسفة الديكارتية، حسب التحليلات الظاهراتية، في أنه لم يعرف أي اعتبار للطابع "البين- ذاتي".
بداية مفهوم الغير مع هيجل:
تبلور الوعي بالذات من خلال العلاقة الصراعية مع الغير يعتبر هيغل بأن الغير مؤسس لليقين الحقيقي بالذات. وهكذا لكي يرقى وعي الذات من مجرد وعي بسيط وحسي إلى وعي فعلي، لابد من إعتراف الآخر بالذات. وهو إعتراف ينتزع من خلال علاقة صراع، تمثل فيه اللحظة الأساسية الأولى علاقة السيادة - جدل السيد والعبد - بينما تمثل لحظتها الأخيرة الاعتراف المتبادل، ضمن علاقة تعايش عبر سيادة القانون ومؤسسة الدولة.
كيف ظهر الصراع بين الأنا والغير؟
يتحدث هيجل عن حالة إفتراضية لم يكن فيها الإنسان سوی فردا معزولا، يملك وعيا غير كامل بذاته، لأن شعوره بذاته لم يكن يتجاوز الانطباع الحسي بالوجود، ستقوده هذه الحركة إلى الدخول مع الغير في نزاع ونزال لن يحسم إلا بانتزاع الطرف المنتصر (السيد) للاعتراف به من الطرف المنهزم (العبد) الذي يستسلم، مادام قد فضل المحافظة على حياته بدل المخاطرة بها.
سارتر: كيف يكون وجود الغير وسيطا ضروريا بيني وبين ذاتي؟
عملت الفلسفة المعاصرة على تطوير تحليلات هيجل بهذا الشأن، وإذا اقتصرنا على سارتر فإننا نجده يقول: "لكي أتوصل إلى حقيقة كيفما كانت حول ذاتي، لا بد لي أن أمر عبر الغير، إن الغير وسيط ضروري بيني وبين ذاتي، فلا غنى لي عنه لوجودي ولمعرفتي لهذا الوجود".
ويوضح سارتر أطروحته هذه من خلال تحليله لظاهرة الخجل: مؤكدا أن الخجل، وإن كان ضربا من الشعور، إلا أنه ليس ظاهرة تأملية خالصة، إنه، في تكونه الأول، خجل أمام شخص ما.بهذا المعنى فنحن نخجل من أنفسنا من حيث نبدو للغير، لأنه بظهور الغير أصبح بإمكان الذات أن تصدر حكما على نفسها كما تصدره على أي موضوع آخر. إن الخجل، في ذه الحالة، هو بمثابة تعرف على الذات كما يراها الغير "فأنا خجول من نفسي من حيث أبدو للغير"
وهكذا فإن الخجل، في ماهيته، عملية تعرف: فأنا أتعرف على ذاتي كما يراني الغير، ويذلك يمكنني الغير من إدراك كل بنیات وجودي بشكل تام، فأخرج من "الوجود في ذاته" إلى "الوجود من أجل- الذات". وفي هذا تأكيد على أن "الوجود من أجل الذات" متوقف على الوجود من أجل الغير".
حتى نؤكد أطروحة أهمية وجود الغير بالنسبة للذات، يمكن الاستناد إلى دعامات سوسيولوجية (مثل تجربة الأطفال المتوحشين) ودعامات سيكولوجية (مثل حالة الأطفال الإنطوائيين) ودعامات أدبية (مثل تجربة روبنصون كروزوي)... الخ.
لحظة التجاوز: تصور جيل دولوز الغير عالم ممكن
ينطلق دولوز من اعتبار الغير بنية لكن يتجاوز الموضعة التي سقط فيها سارتر. لذلك يرى أن الغير ليس موضوعا، ولا ذاتا، ولا أنا آخر فهو قبلي على كل ذلك إنه عالم ممكن، لا يختزل في شخص بل هو نظام للعلاقات والتفاعلات بين الأشخاص والأفراد كآخرين، كما يقول: "ههنا نجد أنفسنا أمام مشكلة تتعلق بتعدد الذوات، وبعلاقاتها وتمثلاتها المتبادلة".
وهذا العالم الممكن لا يعني كونه غير واقعي، أو أنه لم يتحقق بعد في الواقع، بل هو عالم ممكن، وقائم الوجود لكونه عالم معبر عنه، فهو لا يوجد إلا في التعابير الصادرة عنه، فوجه خائف يعبر عن عالم ممكن، يغدو واقعيا حينما يقول أنا خائف، والصين عالم ممكن يغدوا واقعا حينما تتكلم اللغة الصينية، فهذا العالم الممكن يتجلى في المجال الإدراكي الحسي المجرد.
إذن مفهوم الغير الذي لا يفترض شيئا آخر غير تحديد عالم محسوس باعتباره شرطا، وينبري الغير ضمن هذا الشرط كتعبير عن عالم ممكن.
5) خلاصة تركيبية:
إن التأكيد على ما يكتسيه وجود الغير من أهمية بالنسبة للذات، سواء تعلق الأمر بمعرفتها لذاتها أو تأكيد وجودها أو المحافظة على توازنها من جهة، والوعي بالبعد "البين- ذاتي" المحدد الوجود الإنساني من جهة ثانية، لا يعني الانصهار في الغير ونسيان الذات أو التضحية بالاستقلال الذاتي والتنازل عما هو شخصي. فلا تكون العلاقة مع الغير علاقة سوية إلا إذا عرف الشخص كيف يحافظ على المسافة المعقولة مع الغير، مسافة تسمح للذات بأن تتنفس نسيم الحرية في علاقتها مع الأغيار.
------
هل وجود الغير ضروري لكي يتحقق الوعي بالذات
هل وجود الغير ضروري أم غير ضروري
هل وجود الغير شرط ضروري لتحقيق الوعي بالذات
هل وجود الغير ضروري لوجود الذات
هل وجود الغير ضروري سؤال فلسفي
هل وجود الغير ضروري منهجية السؤال
إرسال تعليق