معرفة الغير مواقف الفلاسفة
الموقف الأول: معرفة الغير مجرد معرفة افتراضية
يذهب مجموعة من الفلاسفة إلى القول بعدم إمكانية معرفة الغير معرفة يقينية حقة، وإلى أن معرفة الغير لا تتم إلا افتراضيا، ومن بين هؤلاء الفلاسفة نجد الفيلسوف نيكولا مالبرانش:
معرفة الغير مالبرانش
موقف الفيلسوف:يؤكد مالبرانش في كتابه "في البحث عن الحقيقة" على أن معرفة الغير ليست إلا معرفة افتراضية تخمينية، ولا يمكن لمعرفتنا بالغير أن تكون يقينية. فنحن لا يمكننا معرف الآخر لا من خلال الذات أي من خلال الاسقاط والمماثلة ولا من خلال الغير ذاته باعتباره وعيا مستقلا.والسبب الذي لا يجعل معرفة الغير معرفة ممكنة راجع حسب مالبرانش إلى كون إحساسات وميولات ومشاعر الأنا غير مماثلة لإحساسات وميولات ومشاعر الغير. وهنا يؤكد مالبرانش أن هناك من الأحكام التي لن نخطأ إن نحن اعتقدنا أن للغير نفسها، مثال أن نقول بأن الغير يدرك أن أربعة هي حاصل ضرب اثنين في اثنين، أو أن نقول أنه يحب أن يكون عادلا بدل أن يكون غنيا، ,انه يحب الخير اللذة ويكره الشر والألم. لكن، بما أن الجسد له دور في ما يحصل لنا، فنحن نخطئ في غالب الأحيان إذا حكمنا على الآخرين انطلاقا من ذواتنا، يقول مالبرانش: "أشعر بالحرارة، وأبصر مقدارا ما ولونا ما، واشم هذه الرائحة أو تلك عند الاقتراب من بعض الأجسام: أخطئ متى أصدرت حكما على الآخرين من خلالي أنا". ويتبين لنا من خلال هذا القول، أن الذي يجعل الذات تخطأ غالبا حين تصدر حكما على الآخرين هو تدخل الجسد في معرفتنا بذواتنا.والدليل على ذلك أننا نخضع لبعض الأهواء، ونكن صداقة أو كرها لهذا الشيء أو ذاك، إلا أنا الآخرين يختلفون عنا، وبالتالي نكون مخطئين إن نحن اعتقدنا أن الآخرين يشبهوننا.
خلاصة القول، أن معرفة الغير ليس مستحيلة، إلا أنها غالبا ما تكون خاطئة، فهي مجرد معرفة افتراضية، تصيب عن يتعلق الأمر بما هو عقلي، وتخطئ حين تتأسس على الجسد.
الموقف الثاني: معرفة الغير ممكنة.
موقف ميرلوبونتي :
ينتقد ميرلوبونتي تصورسارتر و يؤكد في المقابل أن معرفة الغير ليست مستحيلة و لا تتطلب تحويله إلى موضوع و يقول في هذا الصدد : " و الواقع أن نظرة الغير لا تحولني إلى موضوع ، كما أن نظرتي لا تحوله إلى موضوع إلا إذا انسحب كل منا و قبع داخل طبيعته المفكرة أو جعلنا نظرة بعضنا إلى بعض لاإنسانية " أي أن التشييء يحدث عندما يغيب التواصل، و هكذا تكون معرفة الغير ممكنة من خلال التواصل، و يقدم ميرلوبونتي مثال حضور الغير الغريب أمام الذات ، فعندما يغيب التواصل يحضر التشييء ، لكن بمجرد الدخول في علاقة تواصلية ينكشف عالمه و تستطيع الذات إدراك عالمه الذاتي و أفكاره و عواطفه… و حتى عندما يغيب التواصل لاتون المعرفة مستحيلة بل فقط مؤجلة…
موقف ماكس شيلر :
يؤكد أن معرفة الغير ممكنة من خلال النظر إليه ككل ، أي كبنية يتداخل في تشكيلها المظهر الخارجي و المعطيات الداخلية في نفس الوقت، فالغير لا ينبغي اختزاله في مظهره الخارجي/ الجسد (سارتر)، و لا بعده الداخلي / الذات (ميرلوبونتي)، لأنه كل لا يقبل التجزيء ، فتعابير الجسد/ المظهر الخارجي، تعبر عن الحالات النفسية و الأفكار و العواطف/ المعطيات الداخلية.. يقول :" إن أول ما ندركه من الناس… ليس أجسادهم، و لا أفكارهم و نفوسهم.. بل ما ندركه منهم هو كل/ (بنية) لا يقبل التجزيء". و يقدم كمثال على ذلك الابتسامة ، فهي تعبير جسدي خارجي ، لكنها تعبر عن إحساس داخلي بالفرح أو غيره. و نفس الشيء بالنسبة للدموع فهي مظهر خارجي يخبرنا عن ما يجري داخل الذات…و هكذا فمعرفة الغير ممكنة شريطة النظر إليه نظرة كلية بنيوية لا اختزال فيها..
الموقف الثالث: معرفة الغير مستحيلة .
موقف سارتر:
يؤكد سارتر أن معرفة الغير غير ممكنة إذا نظرنا إليه كذات ، لأن هذه المعرفة تقتضي تحويله إلى موضوع و النظر إليه كشيء ، أي نفي الخصائص و المقومات الذاتية الإنسانية عنه كالوعي و الحرية و الإرادة … و بالتالي فمعرفة الغير ممكنة فقط باعتباره موضوعا / جسدا غير أن الغير ليس جسدا بل ذاتا و من هنا يمكن القول أن معرفة الغير مستحيلة..
إرسال تعليق