كتاب : «هل انتهى عهد البيدغوجيا ؟» تأليف د محمد الدريج قراءة تحليلية في سياق مشروع تعريف و تصنيف علوم التربية بالمغرب
كتاب : «هل انتهى عهد البيدغوجيا ؟» تأليف د محمد الدريج قراءة تحليلية في سياق مشروع تعريف و تصنيف علوم التربية بالمغرب
إعداد : د . علال خوش:
أستاذ التعليم العالي في علوم التربية
التوطئة
حين يعنون باحث، هو في الأصل أستاذ مادة الفلسفة ، كتابه بسؤال : "هل انتهى
عهد البيدغوجيا؟"، لايبدو السؤال عفويا وبريئا، بل إنه يستند إلى خلفيات معرفية
ورؤية إبستمولوجية تستحضر ماضي البيدغوجيا وحاضرها ومستقبلها ، في سياق
التحولات الاجتماعية والثقافية والرقمية والبيئية والتنموية التي تحدث التغيرات
في المجتمع المغربي..
انطلاقا من هذه المسلمة، نعتبر عنوان هذا الكتاب تساؤلا إشكاليا عميقا، ليس
الجواب عنه بالضرورة نفيا لوجود البيدغوجيا، سواء في شكلها النظري التقليدي أو
في صورتهاالمعيارية أوالتجريبية، وليس إعلانا عن نهاية العمل بعلم البيدغوجيا
في حاضرنا الراهن لأن الباحث أكد، في متن كتابه كما في خاتمته ، عن الأهمية
الكبرى التي تكتسيهاعلوم التربية بصفة عامة ، والبيدغوجيا بصفة خاصة بالنسبة
للعملية التربوية والتعليمية والتكوينية في جميع مستوياتها ومراحلها ، كما أكد
على أن زمنها لم ينته بعد، وأن مصداقية ومشروعية وجودها لازالت قائمة ، خاصة
إذا عملت على إعادة ترتيب بيتها الداخلي(ص:118).
إن ما يمكن استنتاجه من عتبة الكتاب التي هي عنوانه، هو أن الدكتور محمد
الدريج قد انطلق من رؤية إبستمولوجية تدعو إلى تجديد النظر في البيدغوجيا
كمفهوم وموضوع ومنهج ألف الجميع تداوله دون حسيب أو رقيب وبكثير من التعالم
ووهم الإحاطة، كما ألف الكثير من الباحثين والممارسين وطلاب الدراسات العليا،
والمهتمين بميدان التربية والتكوين في المغرب مقاربته حسب اختلاف تخصصاتهم دون
رؤية علمية تحدد الجهازالمفاهيمي الدقيق للبيدغوجيا وعلوم التربية، وطبيعة
موضوعها، ومقارباتها المتعددة المباحث والمرجعيات التي تعالج الظواهر والمشكلات
التربوية وفق رؤية نسقية تركيبية وليست شمولية ، لأن الشمولية رؤية مطلقة تفترض
الإحاطة التامة بكل جوانب الموضوع ، والبيدغوجيا علم لم يحط بكل تفاصيل مواضيعه
المدروسة رغم قدم وجوده في الزمان والمكان، بل إنه علم يتغير ويتطور تبعا
لمستجدات التربية والتكوين، وارتباطا بالتغيرات الحاصلة في المجتمع بناء على
ماتقدم ، نثير في هذه الورقة عدة أسئلة معرفية ومنهجية، وجدنا الأجوبة عن
الكثير منها بين دفتي هذا الكتاب ، كما استكملنا باقي هذه الأجوبة من مراجع
ومصادر خارجية ذات صلة بالموضوع ، وتتلخص هذه الأسئلة فيما يلي:
ماالمقصود بالبيدغوجيا؟
وما مدى أهميتها ووظائفها ؟
وما الفرق بين البيدغوجيا وعلوم التربية والديدكتيك بصفة عامة؟
وماهي المقترحات الجديدة للدكتور محمد الدريج / صاحب هذا الكتاب ، في ما يتعلق
بالجهاز المفاهيمي للبيدغوجيا ومواضيعها ومناهجها أومقارباتها
المختلفة؟
ثم ماهي أهم أطروحاته ومرجعياتها المرتبطة باقتراحه الأخير لتصنيف علوم
التربية؟ وماهي مكونات هذا التصنيف الرباعي ؟
ثم ما هي أهم الانتقادات التي يمكننا توجيهها لمشروع التصنيف الرباعي
لعلوم التربية الذي اقترحه الباحث محمد الدريج؟
وماهي حدود مساهمتنا الشخصية في إغناء وتطويرمشروع تصنيف علوم التربية في
المغرب بصفة عامة؟
1) تقديم الكتاب ، وأهم أسباب تأليفه
«هل انتهى عهدالبيدغوجيا ؟»
[1] كتاب جديد للدكتورمحمد الدريج، صدر في هذه السنة (2022)؛عن دارالقلم
بالرباط، ويضم بين دفتيه تقديما ومدخلا وستة فصول، وخلاصات وخاتمة، ولائحة
المراجع المعتمدة، ثم الملحق الخاص بالبحث الإجرائي ودوره في تطويرمهارات
التدريس..تكونت أوراقه الجيدة من 164صفحة من الحجم المتوسط، وصورة غلاف أمامية
ملونة عليها صورة صاحب الكتاب، بينما اشتملت الصورة الخلفية على ملخص مركز
لمضمون هذا الكتاب.. وقد حدد الدكتورمحمد الدريج في مدخل كتابه هذا أهم دواعي
وأسباب التأليف في مايلي:
- 1 عدم كفاية التصنيفات التقليدية لعلوم التربية ؛
- 2حاجة علوم التربية في المغرب إلى بناء نظريات ونماذج أو براديغمات من طرف الجماعة العلمية المتخصصة ؛
- 3حاجة البيدغوجيا في المغرب إلى تجديد تعريفها ووظائفها، في ضوء مستجدات البحث العلمي التربوي ؛
- 4رفع أسباب اللبس والتشويش العلمي والإبستمولوجي التي أصبحت تشكل عائقا أمام تطور علوم التربية ؛
وبالنظر إلى هندسة فصول الكتاب ، خصص الباحث الفصل الأول لرصد وتتبع دلالات
وانتقالات المفاهيم الأساسية، وهي: التربية، والبيدغوجيا، وعلوم التربية،
والعلوم المساعدة، ثم العلوم البينية؛ كما تتبع ، بصفة خاصة تطورمعاني مصطلح
البيدغوجيا وماعرفته من ولادة عسيرة عبرالعصورسواء في معناها العام أومعناها
الضيق، وما أصابها من انشطاروتناسل وتلاشي بفعل علاقاتها الملتبسة بالعلوم
الإنسانية التي فقدت معها الهوية والاستقلالية، وانتقل في الفصل الثاني من
البيدغوجيا إلى علوم التربية الأصلية ، مجيبا عن سؤال مدى تكاملها أو تعارضها،
محددا تعريف هذه الأخيرة ، مناقشا إشكال تعددها ، ومقترحا لهذا التعدد حلا
مبدئيا ؛ كما رصد في الفصل الثالث من الكتاب طبيعة العلاقة القائمة بين
البيدغوجيا والعلوم المساعدة ، بينما خصص الفصل الرابع لإشكال تصنيف علوم
التربية، وفي الفصل الخامس، تطرق لمكونات مقترح تصنيفه الرباعي لعلوم التربية ،
وهي على التوالي: ~ البيدغوجيا ، والديدكتيك، والجسملوجيا، وعلم الكفايات؛ أما
الفصل السادس، فقد اقترح فيه خمس أطروحات كأسس لهذا التصنيف الرباعي لعلوم
التربية .. وهي على التوالي:
- ~ أطروحة التكوين الثلاثي للشخصية في أبعادها الجسمية والمعرفية والوجدانية ؛
- ~وأطروحة علاقة التداخل والتفاعل بين هذه المكونات الثلاثة التي ينبغي أن تشتغل، حسب رأي الباحث بكيفية مندمجة داخل منظومة التربية والتكوين ؛
- ~ وأطروحة تغير الطبيعة البشرية بفعل تأثيرات الثورة الصناعية الرابعة؛
- ~ وأطروحة دوروأهمية مجال النفس العميقة المتضمن لملكات التجديد والإبداع والنبوغ التفوق؛
- ~ ثم أطروحة الكفايات الملهمة والمهارات الحياتية..
2) حدود الرؤية الإبستمولوجية لمؤلف الكتاب
لقد بدا لنا من خلال القراءة التحليلية لهذا الكتاب ، أن الرؤية الإبستمولوجية
لصاحبه تستحضر ماضي البيدغوجيا وحاضرها ومستقبلها ، في سياق التحولات
الاجتماعية والثقافية والرقمية والبيئية التي تحدث التغيرات في المجتمع المغربي
؛ وقد يعتقد القارئ لعنوان الكتاب«هل انتهى عهدالبيدغوجيا ؟» ، دون تصفح متنه
أن موضوعه الأساس هو البيدغوجيا( أي علم التربية بصيغة المفرد)، وأن الأمر
يتعلق بمقاربة تاريخية لتطور مفاهيمها عبر رصد الفترات الزمنية التي ظهرت فيها
أنواعها المختلفة، ولا ترد الإشارة إلى علوم التربية(بصيغة الجمع) كموضوع
للدراسة إلا في العنوان الفرعي:"" أطروحات جديدة لتعريف وتصنيف علوم التربية
وتطويرها."" لكن ، إذا شئنا مناقشة هذه الرؤية الإبستمولوجية لصاحب الكتاب ،
يمكن القول إن هذا الخلط غير المبرر إبستمولوجيا بين البيدغوجيا كعلم للتربية
بصيغة المفرد ، وبين علوم التربية بصيغة الجمع ، قد تم الحسم فيه منذ التأسيس
الرسمي لعلوم التربية بجنيف، سنة 1912،وذلك على أساس رؤية إبستمولوجية لمجموعة
من الباحثين المؤسسين كان على رأسهم الطبيب وعالم النفس
السويسريEdoward.Claparéd،وهي رؤية تعتبر الإنسان متعدد الأبعاد، يتكامل فيه
ماهو نفسي مع ماهو اجتماعي، وجداني، فلسفي، تاريخي، فيزيولوجي، وبيولوجي ، ثم
اقتصادي ، وغيرها .. مما يقتضي عدم اختزال دراسته باستخدام علم واحد ووحيد سواء
كان هذا العلم سيكولوجيا أم سوسيولوجيا؛ أي أن البيدغوجيا كحقل معرفي وحده،
سواء ربطناه بالسيكولوجيا أو بالسوسيولوجيا غير قادر على استيعاب جميع الأبعاد
المركبة للإنسان؛ فكان لابد أن تتكامل علوم إنسانية واجتماعية ودقيقة أخرى
باستخدام مفاهيمها ومقارباتها وأساليبها المنهجية وفق منظور براغماتي يخدم
قضايا التربية في الدرجة الأولى ؛ هذا، وحين نعتمد المقاربة التاريخية للرؤية
الإبستمولوجية لهؤلاء الباحثين المؤسسين لعلوم التربية ، نجد أنه ، وقبل اندلاع
الحرب العالمية الأولى، أثير بينهم نقاش حاد حول استعمال علم التربية بصيغة
المفرد أم علوم التربية بصيغة الجمع ؛ غيرأن ظروف هذه الحرب
العالميةالأولى(1914- 1918)، ساهمت في تأجيل الخوض في هذا النقاش الى حدود
بداية الستينات (1960- 1961)، حيث أعيد طرح هذا السؤال الابستمولوجي على أساس
تعددية العلوم التي يمكن أن تشكل التربية موضوعا لها، وكذا رغبة الباحثين في
تحقيق العلمية لهذا الموضوع، فتوزعوا الى فريقين مختلفين : أ)- فريق يقر بأن
علوم التربية لا تشكل استمرارية للبيدغوجيا أولعلم التربية، أي أن هناك قطيعة
بينهما، لأنهم كانوا يهدفون إلى بناء بيدغوجيا أوعلم التربية كمعرفة علمية
مستقلة ، لها هويتها ووحدتها الخاصة..
ب)- وفريق آخر، يعتبر أن أي مقاربة لموضوع البيدغوجيا أوعلم التربية ينبغي أن
تأخذ بعين الاعتبار تعقيده كموضوع وتعدد أبعاده ، وتغيره المستمر، مما يجعل
منها مقاربة تتسع لأكثر من علم واحد.. وبالتالي ، فهذا يفرض الاعتراف بوجود
استمرارية بين علم التربية وعلوم التربية [2]
3)خمس إشكالات أساسية في الكتاب :
أولا)إشكال مفهوم التربية ، وخصائصها الأساسية
ثانيا) إشكال تعدد معاني ، ووظائف ، وأنواع البيدغوجيا
ثالثا )إشكال التعدد في علوم التربية
رابعا )إشكال علاقة البيدغوجيا بعلوم التربية الأصلية ، وعلوم التربية
المساعدة ، والعلوم البينية العابرة للتخصصات
خامسا)إشكال المشروعية العلمية لتصنيف علوم التربية ؟
[1]~محمد الدريج (2022)، «هل انتهى عهد البيدغوجيا؟» طروحات جديدة لتعريف
وتصنيف علوم التربية وتطويرها""، مطبعة دارالقلم ، الرباط
[2] Bernard Charlot(2001): " les sciences de l éducation en France"Chapitre
extre du livre :"le pari des sciences de l’éducatio"Bruxelles-coll:Raisons
éducatives;edit:Boeck Université/pp: 147
0 تعليقات