في اليوم العالمي للمدرس
تحتفل أسرة التعليم بالمغرب على غرار نظيراتها في كل ربوع العالم يوم 05 أكتوبر من كل سنة باليوم العالمي للمدرس، وهي مناسبة للوقوف وقفة اعتراف بجهود هذه الفئة وتقدير لجسامة المهام المنوطة بها وما تلعبه من أدوار طلائعية في تنشئة وإعداد أجيال المستقبل والمساهمة في بناء مجتمع المعرفة والحداثة والتقدم اعتبارا لكون التربية والتكوين رافعة أساسية لتحقيق التنمية والديمقراطية ، كما أنه محطة تُستحضَر من خلالها التحديات المطروحة أمام تحقيق النهضة التربوية المنشودة وأمام تزايد إكراهات الممارسة المهنية وفي مقدمتها الوضعية الاجتماعية والمادية لنساء ورجال التعليم غير المنصفة مقارنة بالعديد من قطاعات الوظيفة العمومية الأخرى والتي لا يتناسب مع ما تبذله الأسرة التعليمية من مجهودات وما تواجهه من صعوبات وتحديات خلال ممارستها المهنية.
ويأتي الاحتفال باليوم العالمي للمدرس هذه السنة في سياق دخول مدرسي لم يحمل جديدا بعد يستجيب لتطلعات وانتظارات نساء ورجال التعليم، اتخذ له شعار " مدرسة الجودة للجميع "، وهو شعار لن يتحقق مضمونه ما لم تتحقق شروط تحقيق هذه الجودة التي تظل الكثير من مؤشراتها غائبة في نظامنا التعليمي بشكله الحالي.
ورغم ما تحقق من منجزات ومكتسبات لا يمكن إغفالها في العشريتين الأخيرتين في إطار الإصلاحات التي باشرتها الدولة سواء من خلال محطة الميثاق الوطني للتربية والتكوين أو الرؤية الاستراتيجية للإصلاح (2015 ـ 2030 ) التي تتواصل فصول أجرأة وتفعيل بنوذها ومقتضياتها بوتيرة لم تتحقق معها كل الآمال والانتظارات التي واكبت إعدادها وتنزيلها، فحجم الاختلالات التي تعيشها المنظومة التربوية بفعل تراكم عناصر الفشل ومآلات الإخفاق لسنوات طويلة تمثل عائقا يحول دون تحقيق أهداف وغايات أي مشروع إصلاحي ..وهكذا يبقى الإصلاح يراوح مكانه ولا يتقدم إلا بكيفية لا تلامس جوهر الأزمة.
إن المنظومة التربوية، والحالة هذه، تتطلب حكامة جيدة لتدبيرها في كل أبعادها ومكوناتها ومراجعة جذرية للمناهج والبرامج الدراسية والكتب المدرسية وتأهيل وتعزيز البنيات التحتية بما يخدم جودة التدريس وجودة التعلمات وكذلك الارتقاء بالأوضاع الاجتماعية والمادية للأسرة التعليمية فهي عصب المنظومة وأداتها الفاعلة والفعالة لإنجاح أي إصلاح يروم تحقيق جودة المدرسة وجودة التعليم..
إن أجواء التوتر الذي تعرفها المدرسة المغربية ( احتجاجات أطر الأكاديميات وباقي الفئات المتضررة ) وحالة التوجس والتخوف من التراجع عما تحقق من مكتسبات سابقة ( التأخر في إخراج نظام أساسي منصف وعادل ومحفز، فرض شروط جديدة للترشح لمباراة الإدارة التربوية ومباراة التخطيط والتوجيه، التأخر في صرف مستحقات الترقيات... ) وبروز ظواهر تسيء إلى المنظومة وتضرب عرض الحائط مختلف المقاربات التربوية والتوجيهات الرسمية ( تفريخ مراكز الدعم المدرسي ـ تطور أساليب الغش ...). كل ذلك يدعو ، في خضم أوراش الإصلاح تلك التي تباشرها الدولة، إلى وضع حد لهذه الأجواء وخلق مناخ صحي يشيع أجواء الثقة والجدية والحزم في التصدي للظواهر المسيئة إلى المنظومة التربوية وإعادة الاعتبار للتربية ولمهنة التربية والتكوين وتحقيق جودة التعليم.
وهنا لابد من التأكيد مرة أخرى، والأسرة التعليمية تحتفل باليوم العالمي للمدرس ، أن أي إصلاح للتعليم لن ينجح بدون مشاركة فعالة لهيئة التربية والتكوين، وبدون تأهيل وتكوين جيد لهذه الفئة بما يرفع من أدائها التربوي وممارستها المهنية وإنجاز رسالتها في نشر قيم الحداثة والتقدم والحرية وقيم الحوار والانفتاح والعقلانية ، ولن يستقيم أيضا بدون تحسين لشروط هذه الممارسة ماديا ومعنويا للارتقاء بها .
إن الأسرة التعليمية تجد نفسها في خضم أزمة تعليمية واختلالات بنيوية تعيشها المدرسة المغربية يتطلب ورش إصلاح أعطابها إشراك ومشاركة جميع مكونات المجتمع، فالإصلاح هنا ليس شأنا قطاعيا خالصا يهم قطاع التربية والتكوين بمفرده وإنما هو شأن مجتمعي يهم كل القطاعات الحيوية في البلاد وينبغي أن يندرج ضمن مشروع مجتمعي مستقبلي تستحضر فيه العلاقة الجدلية بين التعليم والتنمية وتحقيق مجتمع الحداثة والديمقراطية و العدالة الاجتماعية والاقتصادية ..
فالتربية والتكوين قطاع حيوي واستراتيجي لا مجال فيه لنهج الحلول الترقيعية والمقاربات التقنية الصرفة والتوافقات السياسية ضيقة الأفق، فذلك لن يؤدي إلا إلى إعادة إنتاج نفس التجارب السابقة المطبوعة بالفشل والإخفاقات وإلى هدر للزمن المغربي تتعطل معه مسيرة التنمية وركب التقدم.
أخيرا ، وفي ارتباط بموضوعنا هذا ، يمكن القول إن إحدى المداخل الأساسية لإصلاح منظومة التعليم في بلدنا هي الارتقاء بمهن التربية والتكوين وبواقع مهنة التدريس وإعادة الاعتبار للمدرس ولمكانته المعنوية و الاجتماعية ومحاربة كل الظواهر المسيئة إلى هذه المهنة النبيلة ، فمن مؤشرات جودة أي نظام تعليمي المستوى المادي والاجتماعي للمدرسين والوضع الاعتباري لهم في مجتمعاتهم. ولعل المشرع قد أوجز فأبلغ في المادة 17 من الميثاق الوطني للتربية والتكوين حين صرح في هذا الصدد بأن: “للمربين والمدرسين على المتعلمين وآبائهم وأوليائهم وعلى المجتمع برمته حق التكريم والتشريف لمهمتهم النبيلة، وحق العناية الجادة بظروف عملهم وبأحوالهم الاجتماعية، وعلى الدولة حق الاستفادة من تكوين أساس ومتين، ومن فرص التكوين المستمر حتى يستطيعوا الرفع المتواصل من مستوى أدائهم التربوي، والقيام بواجبهم على أكمل وجه ".
كل عام والمدرسات والمدرسون الأوفياء لمهنتهم النبيلة بخير..
بقلم : محمد رياض
أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي
0 تعليقات