المهارات الحياتية ..... البعد المفقود في تقييم جودة الفعل التربوي
بقلم: بولعيد قبوش متصرف تربوي
قد تواجهك الكثير من الأسئلة المرتبطة بجدوى التعلم، ومدى ملاءمته للحياة بمختلف وضعياتها ومشاكلها، وقد تصادفك الكثير من الانتقادات في حق العملية التربوية بحكم عجز المتعلمين والمتعلمات عن حل المشاكل التي تواجههم في الحياة، وعدم قدرتهم على توظيف تعلماتهم في تحسين ظروف حياتهم وحياة من حولهم.... وقد تلاحظ أن المتعلمين اليوم لهم القدرة على حفظ المعلومات والمعارف واجتياز الامتحانات والاختبارات بنجاح، لكنهم يفتقدون مهارات لتوظيف تلك المعلومات والمعارف في سلوكهم ومواقفهم لتغيير ظروف معيشتهم وحياتهم.
كثيرة هي الأسئلة والملاحظات التي تؤكد بالملموس الهوة الشاسعة بين الحياة المدرسية والحياة المجتمعية، وبين فكر المتعلم وواقعه المعاش.
إن العادة التي تسود اليوم -حتى في أعلى مستويات القرار التعليمي- وفي كل نهاية موسم دراسي هو انسياق الجميع نحو الحكم على جودة الفعل التربوي بناء على نتائج الامتحانات وأعلى المعدلات ونسب النجاح... والحال أن عملية التقييم تفتقد إلى بعد آخر يرتبط بالفاعلية "الخارجية" للتعليم، والتي تمثل الفائدة المنتظرة من الكفايات التي تم اكتسابها من الحياة المدرسية لتفعيلها وتمثلها داخل الحياة المجتمعية، وبتعبير آخر فإن هذا البعد يتعلق بالإجابة على السؤال التالي: هل ساعدت المدرسة الناجحين على المشاركة المؤثرة إيجابا في محيطهم الاجتماعي؟ وهل مكنتهم من اختيار منصب شغل مناسب تم التفوق فيه وتطويره بكيفية أحسن؟
من البديهي أن يكون الجواب معلوما يبرر نتيجة مفادها أنه لا يمكن أن تكون هناك جودة تربوية حقيقية من دون ملاءمة الحياة المدرسية مع الحياة المجتمعية، وذلك من خلال أنشطة تعالج الوجه الآخر للفعل التربوي والمتمثل في تنمية الكفايات النفسية والاجتماعية لدى المتعلمين والمتعلمات.
1- المهارات الحياتية كمرادف للكفايات النفسية الاجتماعية:
يعرف دليل المهارات الحياتية والتثقيف بالنظير، المهارات الحياتية «L’habilité devie" مجموعة من الأداءات والقدرات المجتمعة والمنظمة في شكل كفاية "Compétence" مرتبطة بحياة الأفراد، ضمن نسق متكامل لبناء توجهاتهم السليمة وتنميتها، مثل الكفاية في التواصل الجيد، وكفاية الحسم في القرارات، والكفاية في التفاوض وإدارة المشاعر، والكفاية في التعامل مع الضغوط ،... فهي تجميع لقدرات عدة مترابطة فيما بينها وليس "القدرة الواحدة المحدودة في نشاط معين"[1].
ومن المفاهيم الموازية التي تستعمل كمرادف للمهارات الحياتية، مفهوم الكفايات النفسية والاجتماعية، وهو وصف لمهارات يكتسبها المتعلم كي يستطيع اتخاذ القرارات ومواجهة التحديات عن طريق إعداده لنمو شخصي وإمكانات خاصة واجتماعية متفتحة، وقد وصفت منظمة الصحة العالمية الكفايات النفسية الاجتماعية على أنها قدرات فرد على الاستجابة بفعالية لمتطلبات واختيارات الحياة اليومية، وأنها استعداد كل فرد الحفاظ على حالة من الراحة الذهنية عن طريق تبني سلوك ملائم وإيجابي في علاقته مع الغير ومع ثقافته ومحيطه[2].
وبذلك فإن المهارات الحياتية في بعدها البيداغوجي هي قدرة المتعلم على امتلاك سلوك إيجابي قابل للتكييف يتيح له إمكانية الاستجابة لمتطلبات الحياة اليومية مع الحفاظ على حالة من الراحة الذهنية عبر السلوك الذي يتبناه في علاقاته مع الغير.
2- المهارات الحياتية في الرؤية الاستراتيجية 2015-2030:
لقد أوصى المجلس الأعلى للتعليم في رؤيته الاستراتيجية بالانفتاح على المواد الدراسية التي تعنى بالتنمية الذاتية والتربية الريادية والحياتية، وتعزيز البعد الأخلاقي وترسيخ القيم، كما أوصى بتوفير بيئات للأشغال التطبيقية بالمؤسسات الابتدائية والثانوية، في إطار الربط المنتظم للمعرفة النظرية بالمعرفة التطبيقية والأعمال المختبرية، وتحضير التلاميذ ميدانيا في مجال التربية البيئية وأنشطة التفتح والابتكار، وقد جاء هذا في إطار الرافعة الثانية عشر المتعلقة بتطوير نموذج بيداغوجي قوامه التنوع والانفتاح والنجاعة والابتكار من خلال تطوير المناهج والبرامج والمقاربات البيداغوجية والوسائط التعليمية ونظام الامتحانات والتقييم وغيرها.
وبذلك تكون الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 قد رفعت السقف عاليا في تبنيها لخيار اعتماد مواد تعنى بتنمية المهارات الحياتية وليس الاكتفاء فقط بإدماج هذه المهارات في المواد المدرسة، غير أن هذا سيبقى موقوف التنفيذ كما سيتبين ذلك لاحقا من خلال وثيقة "الأطر المنطقية للمشاريع" التي أصدرتها وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي بتاريخ 07 أكتوبر 2020، حيث اكتفت الوزارة إلى حدود الساعة بإصدار دلائل تركز على ثلاث مهارات يستوجب تنميتها لدى المتعلمين والمتعلمات في مرحلة التعليم الابتدائي وهي كالتالي:
- التربية على السلامة الطرقية.
- التربية المالية والضريبية والمقاولاتية.
- استكشاف المهن واستشراف المشروع الشخصي.
3- المهارات الحياتية في قانون الإطار 51/17:
لقد أكد قانون الإطار على أهمية اكتساب المتعلم المهارات والكفايات اللازمة التي تمكنه من الانفتاح والاندماج في الحياة العامة والتشبع بقيم ومبادئ حقوق الإنسان، كما هي منصوص عليها في الدستور والاتفاقيات الدولية، كما أكد على محورية مشروع المؤسسة كأداة أساسية لأجرأة السياسات التربوية داخل مؤسسات التربية والتكوين تعزيزا لوظائفها، ولاسيما المتعلقة بالتنشئة الاجتماعية والتربية على قيم المواطنة والانفتاح والتواصل والسلوك المدني.
ومن أجل تعزيز الاندماج في سوق الشغل كهدف من أهداف المشروع رقم 8 المتعلق بتطوير النموذج البيداغوجي ضمن حافظة مشاريع قانون الإطار رقم 51/17، فإن وزارة التربية الوطنية تؤكد على ضرورة إدماج المهارات الحياتية في منهاج كل الأسلاك الدراسية مع إدماج مجزوءات تتعلق بالتكوين المقاولاتي والمالي والقانوني في كل المستويات الدراسية[3].
ففي الوقت الذي أوصت فيه الرؤية الاستراتيجية بالانفتاح على المواد الدراسية التي تعنى بالتنمية الذاتية والتربية الريادية والحياتية، فإن وثيقة "الأطر المنطقية للمشاريع" قد أشارت في التدابير المزمع إجراؤها إلى إصدار طبعات جديدة من الكتب المدرسية متضمنة إدماج المهارات الحياتية في الأنشطة الصفية بالسلك الإعدادي في مختلف المواد الدراسية بالتزامن مع مراجعة منهاج السلك الإعدادي[4].
ومن خلال التباين الواضح بين ما جاء في الرؤية الاستراتيجية والوثائق المعدة من طرف الوزارة لتنزيل مضامين هذه الرؤية فإن هذه الوزارة غير واضحة في الاختيار بين نموذجين أحدهما يعتمد على مواد دراسية تعنى بالمهارات الحياتية وبالتالي تخصيص أساتذة متخصصين لهذه المواد، وأما الآخر فيعتمد على إدماج هذه المهارات داخل المواد المدرسة حاليا.
من خلال ما سبق فإن الجهد واضح في تنزيل التدابير الخاصة بهذا الموضوع على الأقل في شقه القانوني والإداري، لكن يبقى الأمل معقودا على الأطر التربوية والإدارية بالمؤسسات التعليمية من أجل التفعيل واستكمال مسيرة التنزيل، مع مصاحبة كل هذه التدابير بخطة تتضمن مؤشرات الإنجاز وتضمينها داخل شبكات التقويم المؤسساتي حتى تتحقق إحدى الغايات الكبرى للميثاق الوطني للتربية والتكوين والمتمثلة في السعي نحو إرساء مدرسة مغربية وطنية جديدة تتسم بكونها مفعمة بالحياة بفضل نهج تربوي نشيط، يتجاوز التلقي السلبي والعمل الفردي إلى اعتماد التعلم الذاتي، والقدرة على الحوار والمشاركة في الاجتهاد الجماعي، ومفتوحة على محيطها بفضل نهج تربوي قوامه استحضار المجتمع في قلب المدرسة.
------------------------------------------------------
[1] - دليل المهارات الحياتية والتثقيف بالنظير في إطار مشروع «دعم الارتقاء بقيم التسامح والسلوك المدني والمواطنة والوقاية من السلوكيات المشينة في الوسط المدرسي»، بشراكة بين وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والنعليم العالي والبحث العلمي والرابطة المحمدية للعلماء.
[2] - دليل مكوني أندية التفتح بالمؤسسات الثانوية الإعدادية ضمن برنامج الحياة المدرسية في إطار مشروع "إتقان" بشراكة بين وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي ومنظمة USAID.
[3] - "حافظة المشاريع" الصادر عن وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي بتاريخ 7 أكتوبر 2020
[4] - "الأطر المنطقية للمشاريع" الصادر عن وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي بتاريخ 7 أكتوبر 2020
1 تعليقات
مقال جيد.
ردحذف