د محمد الدريج - أفق بناء النموذج التناوبي المندمج: أسس ومكونات الدمج بين الافتراضي والحضوري في الفصول الدراسية
ملخص مداخلة د. محمد الدريج
في موضوع : " أفق بناء النموذج التناوبي المندمج: أسس ومكونات الدمج بين الافتراضي والحضوري في الفصول الدراسية
في ندوة الإيسيسكو التفاعلية عن بعد (10 ماي 2020)، "توظيف تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي للارتقاء بجودة التعليم".
أولا -
مقدمة : التعريف بالنموذج: هذا النموذج التربوي (نموذج تناوبی مندمج) والذي سنستعرضه بشكل أكثر تفصيلا وشمولا في كتابنا :"هندسة التكوين الأساسي للمدرسين وتمهين التعليم"، يقوم على أساس بسيط وهو المزج و الدمج بين التعليم الافتراضي عن بعد والتعليم التقليدي الحضوري، بشكل تناوبي (50 في المائة) وفي صيغتين (وربما أكثر) وحسب امكانيات كل مؤسسة من حيث البنيات وقدرتها الاستيعابية و التجهيزات والتنظيمات وخصوصية المنطقة التي تتواجد فيها،
كالتالي
الصيغة الأولى: تتمثل في أن يقسم البرنامج و استعمال الزمن إلى نصفين (50 في المائة) بحيث يمكن أن تتم العملية التعليمية على الشكل التالي : إذا حضر التلاميذ أو الطلاب الى المدرسة أو مركز التكوين في الصباح مثلا ، فلا حاجة لهم للحضور في الزوال او العكس، وإذا استفادوا من الدروس الحضورية التقليدية في الصباح فإنهم يستفيدون من الدروس الافتراضية في الزوال، وقد تطبق في هذه الحالة مثلا تقنية الفصل المعكوس.
الصيغة الثانية : إذا حضر نصف تلاميذ/طلاب إلى المدرسة أو مؤسسة التكوين للتحصيل ، يبقى النصف الآخر في المنزل أو في المكتبة ... أو في أي مكان آخر يمكنهم من التحصيل افتراضيا وعن بعد ؛ ويتناوبون على ذلك . ومن هنا أهمية استغلال الفصول بشكل مضاعف فنقضي على الاكتظاظ في الحواضر و الاقسام المشتركة في البوادي، ونغطي النقص في المخابر والزيارات الميدانية (وخاصة عند اللجوء لتقنية "الواقع المعزز" Augmented Reality سواء في الدروس الافتراضية أو الدروس الحضورية) والنقص في المدرسين و الاساتذة المحاضرين والمؤطرين ... فضلا عن كون المتعلمين س واء التلاميذ/الطلاب أو المتدربين الذين يتهيأون لمهنة التدريس، ليسوا ملزمین بالانتقال إلى المدرسة أو المركز مرتين في اليوم وطيلة أيام الأسبوع، كما يمكننا هذا التنظيم التناوبي المندمج من تدبير المنهاج والمجزوءات ، باستخدام استراتيجية الفصل المعكوس. وفي جميع الأحوال تترك للأكاديميات الجهوية وللمديريات الاقليمية والمدارس و المراكز التابعة لها ، حرية اختيار الصيغة التي تراها مناسبة لخصوصية المنطقة والسياق الذي تعمل فيه ونوعية التلاميذ الطلاب و الامكانيات المادية والبشرية المتوفرة ، ويترك لها قدر من الاستقلال و المبادرة في التعامل مع المنهاج واستعمالات الزمن وتنظيم الحياة المدرسية بشكل مندمج.
ثانيا :
مكونات النموذج ووسائله:
-1 الفصول الافتراضية
-2 بيداغوجية الفصل المعكوس
-3تقنيات الواقع المعزز.
1- بالنسبة للفصول الافتراضية أو الإلكترونية، هي عبارة عن بيئة التعليم المتزامن أو غير المتزامن ، و تماما كما في الفصل العادي، يمكن للتلميذ في الفصول الافتراضية المشاركة في التعلمات والتفاعل المباشر سواء مع المدرسين أو مع زملائه و هذا يعني أن التلاميذ و المدرسين يلجون إلى بيئة الفصل الافتراضي ويتواجدون معا ، باستعمال الحواسيب الشخصية و الأجهزة الذكية. كما يمكن الولوج إليها أيضا عبر بوابة أو استنادا إلى برامج تتطلب التحميل و التثبيت . وتمكن هذه الفصول المدرس من تنظيم الوضعيات وإنجاز الدروس في واقع افتراضي يختاره ليتناسب مع الدرس المراد إنجازه، كما يقوم بالاتصال شبه المباشر مع تلاميذه و ارسال البيانات اليهم وتقبله مشاركاتهم ويتمكن من جعلهم يتعايشون مع الدرس دون التقيد بزمان أو مكان معین.
2- أما مصطلح الفصل المعكوس فقد اكتسب انتشارا واسعا في العديد من الأنظمة ، مما جعلها تحدث تغييرا في " تنظيم الدراسة ، والانتقال إلى نموذج تعليمي عملي فعال، وأكثر تركيزا على المتعلم. ويجعل هذا الفصل التلاميذ يهيأون ويراجعون دروسهم في بيوتهم حتى تكون الأنشطة التعليمية - التعلمية في فصول المدرسة واضحة وملموسة بالنسبة إليهم. وخلال وجودهم في القسم " للتعلم" لن يقوموا س وى بإنجاز تمارين تطبيقية والاكتشافات المتعلقة بالموضوع ، أي العمل على تعميق الفهم. ولم يعد المدرس هو الذي يحضر المعلومات، ولكنه يقوم بمساعدة التلميذ على استيعاب المفاهيم الأساسية. وسيتاح للمدرس وقت أكبر، لمتابعة حالات كل تلميذ حسب خصوصياته. فالمدرس إذن يقوم بدور المرافق والمرشد
. كما يرمي هذا النموذج إلى استخدام التقنيات الحديثة و شبكة الإنترنت بطريقة تسمح للمعلم بتوظيف مقاطع فيديو أو صور وملفات صوتية وكتب الكترونية أو غيرها من الوسائط ، ليطلع عليها التلاميذ في منازلهم أو في أي مكان آخر باستعمال حواسيبهم أو هواتفهم ولوحاتهم الذكية قبل حضور الدرس. في حين يخصص وقت الدرس الحضوري للتطبيقات و للمناقشات والمشاريع والتدريبات .
3-ويمكن الاستعانة كذلك بتقنية الواقع المعزز Augmented Reality وهي تقنية تضيف على البيئة الحقيقية للتلميذ وما يحيط به، محتوی رقمي من اختياره أو اختيار المدرس ويتكون من ص ور ثلاثية الأبعاد ومقاطع فيديو خاصة ببعض المواضيع و الأشياء من الواقع مثل جسم الإنسان أو بالظواهر الطبيعية او باشتغال الألات أو ببعض المباني والمآثر التاريخية ...، و يمكن للتلميذ مشاهدة هذا المحتوى بأبعاده الثلاثية والتفاعل معه من خلال بعض التطبيقات على لوحته او هاتفه او جهاز الكمبيوتر أو من خلال نظارة خاصة... كما تتيح هذه التقنية للمتعلم أن يبني معرفته بالشكل الذي يراه مناسبا من خلال التفاعل مع عناصر التجربة أو الخبرة التعليمية التي يمر بها. وهكذا يمكن أن تلعب تقنية الواقع المعزز دورا واضحا وفعالا في تدريس المواد الدراسية التي تتطلب محاكاة الواقع ومعايشته كالمختبرات المعملية و الرحلات الميدانية وتشريح الاجسام ...، وذلك لقدرتها على تقليل الفوارق بين بيئة المتعلم الحقيقية والوضعية التعليمية المراد شرحها وتصويرها له و نظرا للمميزات الكثيرة التي تمتلكها تقنية الواقع المعزز فقد ش قت طريقها بسهولة في مجال التعليم ، ففي أوروبا تم إطلاق على سبيل المثال ، مشروع تعليمي ض خم باسم ITacitus . org لتعليم تاريخ أوروبا؛ فعندما يركز المستخدم عدسة جواله الذكي مثلا، على أي معلم تاريخي تظهر له معلومات تعريفية عنه بشكل مجسم شبيه بما هو عليه حاليا أو كما كان في الأصل. وفي ألمانيا بدأت تنتشر الكتب المعززة Augmented Books أي الكتب التي تعمل بتقنية الواقع المعزز. فقد عملت بعض الشركات على تطوير كتب تعليمية تحتوي على عناصر عديدة تظهر عند تسليط كاميرا الجوال الذكي عليها، الأشياء والمواد و الاجهزة من الداخل بشكل تشریحي او بشكل وظيفي دينامي ، فيسهل على المتعلم فهمها و التفاعل معها نظرا لتفاعلها هي أيضا مع الواقع الحقيقي للمستخدم
ثالثا :
- مزايا النموذج التناوبي ( 50 في المائة). من مزايا النموذج التناوبي والذي يتأسس على الدمج بين الفصول الافتراضية والفصول الحضورية، مميزات عديدة نذكر منها:
-1- سهولة الاستخدام ، لا يحتاج هذا النموذج الذي يعتمد على إدارة الفصول الافتراضية وإدماجها في منظومة متكاملة مع الفصول الحضورية ، مهارات تقنية عالية ، كما أن تطبيقه بشكل جيد، يحدث انخفاضا كبيرا في تكلفة التعليم ، حيث تخفض مقاعد الدراسة إلى النصف كما توفر على الأسر تنقل أبنائها اليومي إلى المدارس... ثم إن استعمال تقنيات الواقع المعزز" يوفر الكثير من المواد والمختبرات ويوفر تكاليف الزيارات و الخرجات للمتاحف وللمحميات الطبيعية ومؤسسات الانتاج وغيرها.
-2 - كما أن الحصص الإفتراضية توفر الوقت من حيث أن التعليم يتم في أي وقت ،حيث ص ار بإمكان التلميذ أن يتعلم في أي وقت ، الأمر الذي يمكن من تغطية عدد كبير من التلاميذ في مناطق جغرافية مختلفة وفي أوقات مختلفة ، "الحضور عن بعد."
-3- تشجيع التلاميذ على المشاركة دون خوف أو قلق مع احترام نوع ذكائهم و وتيرتهم في التعلم .ومن هنا يكون بإمكان المدرس أن يطبق تفريد التعليم وما يعرف بالبيداغوجيا الفارقة (احترام الفروق الفردية)، ويكون ذلك ممكنا
عندما يتألف العمل بفضل اندماج الافتراضي بالحضوري.
-4 -كما أن توزيع التلاميذ بالتناوب على نوعين من التدريس يساهم في القضاء على الدروس الخصوصية خاصة بما تقدمه الفصول الافتراضية من دعم ومواكبة وتقويم تكويني مباشر.
-5- إمكانية تسجيل الدروس لإعادة مشاهدتها . ويمكن أن تعاد إن اقتضی الحال أثناء الحصص الحضورية في الاقسام
-6 - توليد القدرة علي البحث لدى الطلاب والتعلم الذاتي وفي نفس الأن العمل في مجموعات الإنجاز مشاريع القسم.
-7 - تتحول هذه الفصول التي تتأرجح بين الحضور والافتراض، إلى وسيلة جذب وتحفيز وتشويق ويقبل عليها الطلاب خاصة أنه أصبح لديهم شغف وحب للكمبيوتر والإنترنت منذ سن صغيرة.
-8- كما يسهل النموذج التناوبي ( 50 في المائة) إجراءات التقويم حيث يمكن أن يتم بشكل مباشر من قبل المعلمين أو عن بعد في الفصول الافتراضية. بالإضافة إلى أنشطة التقويم الذاتي التي يقوم بها التلميذ بشكل مستقل والتي تسمح له وللمعلمين بالحصول على مؤشرات عن صعوبات التعلم...
-9- كما أن محتويات المنهاج في النموذج التناوبي ، يمكن أن يقدم عليها كل من المعلم و التلاميذ، أمثلة مندمجة تستجيب أكثر البيئة المدرسة وللخصوصيات المحلية ؟ -10- عملية الدمج بين النظامين ، تخلق نوعا من الشراكة بحيث يوفر أحد النظامين ما ينقص لدى النظام الأخر ، فمثلا يوفر التعليم الحضوري قدرا من التفاعل الحي في العلاقات الانسانية داخل الفصول والاحتكاك المباشر والشحنات العاطفية ، الأمور التي تضعف في الفصول الافتراضية أو تنعدم"
الرباط ، 10-05-2020
يمكنكم مشاهدة وقائع ندوة الايسيكو على الرابط التالي : معاينة الندوة على الفايسبوك
تابعنا على مواقع التواصل الإجتماعي