السلطة والقيادة وأدوار القائد في الحياة المدرسية المغربية
بقلم: بولعيد قبوش إطار متدرب بمسلك الإدارة التربوية
بقدر الحاجة الماسة للإدارة التربوية الفاعلة، نحن في حاجة ملحة وشديدة أيضا للقيادة التربوية الفاعلة؛ إذ تشير الدراسات الحديثة في مجال فاعلية المدارس إلى أن القيادة التربوية القوية هي إحدى خصائص المدارس الفاعلة، كما تشير دراسات أخرى إلى أن تطوير الأداء الوظيفي مرتبط إلى حد كبير بوجود قيادة محترفة تقود عمليات التغيير والتطوير.
ويعتبر دليل الحياة المدرسية الصادر بتاريخ غشت 2008 الوثيقة الرسمية التي تؤطر مفهوم القيادة التربوية وتحدد أدوارها في تنشيط الحياة المدرسية بالرفع من جودة مخرجاتها، فباستقراء مضامين هذا الدليل واعتمادا على بعض مضامين الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030 وبعض تقارير المجلس الأعلى للتعليم، يتضح أن الجهات الرسمية لم تصرح بالنظرية أو النمط القيادي المعتمد، لذلك سنعمد إلى تحليل ودراسة ما جاء به من معطيات تؤطر لهذا المفهوم، في سبيل مقاربة النمط القيادي المعتمد في المنظومة التربوية المغربية.
المحور الأول: علاقة السلطة بالقيادة
لقد عرف دليل الحياة المدرسية المغربي القيادة التربوية للمدرسة على أنها سلوك يقوم به المدير القائد لتوجيه نشاط المجالس والأساتذة والمتعلمين والشركاء لتحقيق رسالة المدرسة، وهي كذلك وظيفة لها دور أساس في نجاح التدبير، وكفاية يتفاعل فيها الفن بالعلم لتمكين المدير القائد من كسب ثقة واحترام المجالس والأساتذة والتلاميذ والشركاء، ومن القدرة على التأثير في سلوكهم ومواقفهم، وحفزهم إلى الانخراط الفعال في تحقيق أهداف المدرسة[1]؛
غير أن عملية التأثير في سلوك ومواقف العاملين بالمؤسسة يدفعنا للحديث عن علاقة السلطة بالقيادة، حيث ظهرت في الفكر الإداري نظريتان لتفسير مصادر السلطة في القيادة الإدارية وهما[2]:
- نظرية السلطة الرسمية Theory of Formal Authority
- نظرية السلطة العملية Theory of Pratical Authority
وهو ما عبر عنه دليل الحياة المدرسية المغربي بمصدر التأثير الاجتماعي لرئيس المؤسسة والمواصفات التي يتحلى بها وتطبع إدارته للمؤسسة.
أولا: السلطة الرسمية:
وهي السلطة المستمدة عادة من تعيين الموظف بوظيفة رئيس المؤسسة، والتي تمنحه الحق في توزيع المهام على العاملين ومتابعة أعمالهم وتوجيههم وتقويمهم ومراقبتهم، وبذلك يصبح المدير مسؤولا على ضمان حسن سير الدراسة والنظام في المؤسسة كما أشار إلى ذلك المرسوم 2.02.376 الصادر بتاريخ 17 يوليوز 2002.
ويرى أنصار السلطة الرسمية أن سلطة المدير كقائد مستمدة من المركز الوظيفي في التنظيم الذي يديره، وأن هذه السلطة تتدرج تنازليا من أعلى إلى أسفل وفق تفويض يقرره المستوى الأعلى إلى المستوى الأدنى[3]، فالقائد الذي يمارس مهامه من هذا المنطلق تكون سلطاته ومسؤولياته محددة من قبل مركزه الوظيفي والقوانين واللوائح المعمول بها[4].
وهو ما يسميه دليل الحياة المدرسية المغربي بالتأثير الاجتماعي الرسمي المرتبط بالسلطة الإدارية المستندة إلى التعيين الرسمي من خلال ما يلي[5]:
- تتوفر المؤسسات على هياكل تنظيمية ومناصب وظيفية منها منصب المدير؛
- تعطي القوانين لرئيس المؤسسة حق إعطاء الأوامر لمرؤوسيه وتعتبر ذلك واجبا عليه؛
- يحظى هذا النظام بالقبول الضمني أو الصريح باعتباره عقدا ينظم ويضبط فعالية المجموعة على مستوى اشتغالها الفعلي والحقيقي؛
- يضع النظام عقوبات متنوعة لردع التصرفات التي لا تحترم الضوابط المعمول بها؛
- يستند التأثير الاجتماعي الرسمي غالبا على سلطة الردع المقنن لفرض احترام قواعد العمل. ويمتثل كثير من المرؤوسين للأوامر خوفا من العقاب بغض النظر عن قيمة الأوامر وشخصية الرئيس؛
- يتم تعيين المدير من لدن جهة خارجة عن المجموعة ولها سلطة إدارية أعلى.
ثانيا: السلطة العملية
ويطلق عيها أيضا السلطة غير الرسمية أو السلطة الإيجابية، فهي السلطة التي لا يتمتع بها سوى المدير الناجح كقائد إداري ويستمدها عادة من قبول مرؤوسيه لقيادته مختارين، والالتزام بكل تعليماته طائعين[6].
ويطلق عليها كذلك بالقيادة غير الرسمية، بمعنى تلك القيادة التي يمارسها بعض الأفراد وفقا لقدراتهم ومواهبهم القيادية وليس من مركزهم ووضعهم الوظيفي، فقد يكون البعض منهم في منصب الإدارة التنفيذية أو الإدارة المباشرة، إلا أن مواهبه القيادية وقوة شخصيته بين زملائه وقدرته على التصرف والحركة والمناقشة والإقناع يجعل منه قائدا ناجحا[7].
والتأثير الناتج عن هذا النوع من السلطة هو الذي يسميه دليل الحياة المدرسية المغربي بالتأثير الاجتماعي غير الرسمي للقيادة التي لا تستمد سلطتها من التعيين الرسمي: اعتبارا لما يلي[8]:
· القيادة تأثير اجتماعي غير رسمي ينجم عن علاقات التأثير الإيجابي بين أعضاء المجموعة، والأدوار الرائدة والمرغوبة لفرد ما على أعضاء المجموعة التي تتقبل ريادته؛
· الآثار الإيجابية لشخصية القائد تنعكس على أهداف المجموعة وحاجاتها وقيمها؛
· القائد لا يفرض نفسه على المجموعة من الخارج؛ وإنما هو عضو مشارك في الحياة الفعلية للمجموعة التي تتجاوب معه وتتقبل ريادته وتثق فيه؛
· القيادة دور قابل للتداول بين أعضاء المجموعة تبعا لتغير علاقات التأثير والقيم والأهداف، ولا يستطيع القائد الاستمرار في الريادة دون رضا المجموعة إن تغيرت المعطيات.
والملاحظ أن دليل الحياة المدرسية المغربي لم يحسم في نوع السلطة المناسبة في التدبير، بل أكثر من ذلك فقد بالغ في توصيف تجليات ما سماه التأثير الاجتماعي غير الرسمي خصوصا عند حديثة عن قابلية الدور القيادي للتداول وهو ما لا يمكن تطبيقه على الإدارة التربوية المغربية نظرا لمخالفة هذا الأمر لمضامين النصوص القانونية وتعارضه مع الاستقرار الاجتماعي والنفسي للموظف وخطورة تحويل المؤسسات التعليمية إلى تنظيمات شبيهة بالتنظيمات النقابية والحزبية رغم أن موضوع التداول على السلطة من المبادئ الأساسية للعملية الديموقراطية.
غير أنه ومن خلال التعريف الذي تبناه الدليل لمفهوم القيادة التربوية، يمكن لمدير المؤسسة الجمع بين السلطتين، باعتبار أن القيادة هي نشاط إنساني يتمثل في توزيع الأعمال على الآخرين كل حسب اختصاصه وتولي الاشراف على التنفيذ وتقديم المساعدات اللازمة بالتوجيه والإرشاد والمتابعة والتقويم، وكذلك باعتبارها عملية تفاعل بين الرئيس والمرؤوسين بأسلوب قائم على العلاقات الإنسانية[9]، وهو ما سيدفعنا للحديث عن مهام وأدوار القائد التربوي.
المحور الثاني: المهام الأساسية للقائد التربوي
لقد تحدث دليل الحياة المدرسية عن مواصفات القائد وأدواره محددا إياها فيما يلي[10]:
- امتلاك منظور(رؤيا) استراتيجي للإصلاح وتطوير أداء المؤسسة وجودة الحياة التطوير؛
- القدرة على تبليغ منظوره للإصلاح بكيفية واضحة وجذابة ومقنعة؛
- القدرة على تعبئة الأطراف المعنية للانخراط في ترجمة الإصلاح إلى خطط عملية لتحسين جودة الحياة المدرسية؛
- التمكن من استشراف أفكار واقتراحات جديدة تسهم في إثراء العمل وإيجاد الحلول الملائمة؛
- قوة الشخصية والقدرة على المبادرة والتصرف الملائم حسب طبيعة كل موقف؛
- تفعيل التدبير التشاركي والإنصات للفرقاء وتعزيز تبنيهم للعمل ومساهمتهم فيه؛
- إعطاء القدوة في العمل والسلوك؛
- التواصل الفعال مع المربين والمتعلمين والشركاء؛
- التنشيط الفعال لمجالس المؤسسة ولأدوار العاملين بها؛
- إنجاز وظائف التدبير وعملياته (من تخطيط وتنظيم وتوجيه...) بأسلوب قيادي.
من خلال هذه المواصفات والأدوار، وقياسا على التقسيم الثنائي السابق لنظريات السلطة أو ما يسمى بالتأثير الاجتماعي، فإنه يمكن تقسيم المهام الأساسية للقائد التربوي إلى نوعين هما:
أولا: مهام رسمية
هي مهام تنظيمية تشمل التخطيط والتنظيم والتنسيق بين أطراف العمل وأجنحته وتوجيه جميع الموظفين للسير باتجاه هدف المؤسسة الأساسي، والحث على الأداء بأعلى مستوى من الكفاءة والفاعلية، وتشكيل شبكة من الاتصالات العمودية والأفقية، والمتابعة والإشراف[11].
ثانيا: مهام غير رسمية
هي مهام تشمل الحماس والاتصالات الدائمة بالأطراف الفاعلة في المؤسسة، ومشاركة العاملين في اتخاذ القرار وبحث مشكلات العمل ومعالجتها ووضع الحلول الناجحة لها بروح جماعية متوحدة، وتمثل القيم والمثل الإنسانية والأخلاقية في التعامل، وتبصر الأهداف العامة للمؤسسة، وربطها بأهداف المجتمع، والمهارة في تنظيم الوقت وإدارته[12].
وبذلك فلا غنى عن النوعين في قيادة المؤسسات التعليمية، فالقيادة الرسمية وغير الرسمية يتعاونان في كثير من الأحيان لتحقيق أهداف الريادة الناجعة في المنظومة التربوية، حيث يمكن لمدير المؤسسة التعليمية بالمغرب الجمع بين السلطتين الرسمية وغير الرسمية، باعتبار أن القيادة هي نشاط إنساني يتمثل في توزيع الأعمال على الآخرين كل حسب اختصاصه وتولي الإشراف على التنفيذ وتقديم المساعدات اللازمة بالتوجيه والإرشاد والمتابعة والتقويم، وكذلك باعتبارها عملية تفاعل بين الرئيس والمرؤوسين بأسلوب قائم على العلاقات الإنسانية.
[1] - دليل الحياة المدرسية، غشت 2008، مديرية التقويم وتنظيم الحياة المدرسية بوزارة التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي بالمغرب، ص 86
[2]- "مهارات القيادة التربوية واتخاذ القرار"، دة. رافدة الحريري، دار المناهج للنشر والتوزيع، طبعة 2008، ص 71
[3] - المرجع السابق نفس الصفحة
[4] - "القيادة الإدارية: مفهوم ونظريات"، د. علي المفلح آل صبرة، طبعة 2016، دار أزمنة للنشر والتوزيع عمان، ص 70
[5]- دليل الحياة المدرسية، مرجع سابق، ص 86
[6] - "مهارات القيادة التربوية واتخاذ القرار"، مرجع سابق ص 72
[7] - "القيادة الإدارية: مفهوم ونظريات"، مرجع سابق، ص 71
[8] - دليل الحياة المدرسية، مرجع سابق ص 87
[9] - "مهارات القيادة التربوية واتخاذ القرار"، مرجع سابق ص 73
[10] - دليل الحياة المدرسية، مرجع سابق ص 88
[11] - "القيادة الإدارية: مفهوم ونظريات"، مرجع سابق، ص 72
[12] - المرجع السابق ص 73
تابعنا على مواقع التواصل الإجتماعي