يشكل هذا التساؤل الذي طرحه باشلار المنطلق الأساس لإدراك عمق حضور الخطاب الابستمولوجي داخل الحقل التربوي.
إن أخطاءنا في التعلم هي جزء من تاريخنا الشخصي؛وهذه الاخطاء شبيهة إلى حدما بالأخطاءالتي عرفها تاريخ العلم خلال تطوره ،ومن هذا المنظور فإن باشلاريقر بأهمية التطرق لمفهوم العائق الابستمولوجي حيث يقول :"يمكن أن تتم دراسة العائق الإبستمولوجي في إطارالتطور التاريخي للتفكيرالعلمي وفي سياق الممارسة التربوية أيضا؛لأن كل ما نصادفه في تاريخ الفكر العلمي هو بعيد عن أن يكون في الخدمة الفعلية لتطور هذا الفكر."
ومن هذا المنطلق يحاول هذا العرض الإجابة على مجموعة من الأسئلة المتعلقة بمفهوم العائق الإبستمولوجي كعنصر حاضر بقوة داخل الممارسة التربوية:
ما هو العائق الإبستمولوجي ؟
ما هي انواعه وماعلاقته بالتمثلات والخطأ؟
وأخيرا ما هي تقنيات الكشف عن العوائق الإبستمولوجية ووضعيات تجاوزها؟
مفاهيم تتعلق بالعائق الإبستمولوجي
1- العلم: يعرفه جون ديوي كالتالي:" كل دراسة منظمة قائمة على منهج واضح مستندة إلى الموضوعية،نسميها علما ،سواءأفضت بنا إلى قوانين أو أدت بنا إلى قواعد عامة تقريبية.”
2- الإبستمولوجيا: مبحث نقدي في مبادئ العلوم وفي أصولها فهي علم المعرفة أو فلسفة المعرفة.
3- مفهوم العائق الابستمولوجي:
المعرفة العلمية لا تبدأ من الصفر،ولكنها تصطدم بمعرفة مستعملة موجودة من قبل.
يقول باشلار عن العائق الابستيمولوجي :“إن العائق الابستيمولوجي يوجد في صميم عملية المعرفة ذاتها،إنه ليس نتيجة للشروط الخارجية لعملية المعرفة، ولا للحواس والفكر كوسيلتين ذاتيتين للمعرفة عند الانسان .إن العوائق الابستيمولوجية تبرز في الشروط النفسية للمعرفة ،تبعا لضرورةوظيفية ،بمجرد ما تقوم علاقة بين الذات والموضوع . المعرفة العلمية هي التي تنتج بذاتها عوائق ابستمولوجية ”
ويضيف باشلار :"عند البحث في الشروط النفسية لتقدم العلم،نصل حينا إلى الاعتقاد بأنه ينبغي وضع مشكلة المعرفة العلمية في صيغة عوائق،ولا يتعلق الأمر هنا بعوائق خارجية ،كتعقد الظواهر وزوالها ،ولا بالطعن في ضعف الحواس والفكر الانسانيين، ففي فعل المعرفة ذاته تبرز بكيفية صميمية وبنوع من الضرورة الوظيفية، تعطلات واضطرابات.فهناك سنتبين علل الركود بل والنكوص،وهناك سنكشف عن علل السكون التي سندعوها عوائق إبستمولوجية.”
”هو مجموع الاضطرابات والتعطلات التي تتسبب في ركود وتوقف ونكوص المعرفة العلمية ،وهي تعطلات واضطرابات ،تعود بشكل صميمي إلى فعل المعرفة ذاته لا إلى أسباب خارجية عن هذا الفعل،فالمعرفة العلمية هي التي تنتج بذاتها عوائق ابستمولوجية".
أنواع العوائق الإبستمولوجية
يحددها باشلار في 5أنواع:
1- عائق التجربة الاولى أوالعائق الحسي
2- عائق التعميم
3- العائق اللغوي أو اللفظي
4- العائق الجوهري
5- العائق الإحيائي
1- عائق التجربة الاولى أوالعائق الحسي
التجربة الأولى تكمن في الملاحظة الأولى أو الاتصال الأول بالظاهرة.
فالإنسان عند أول مواجهة له لظاهرة معينة ،يبني معارفه حولها انطلاقا من حواسه وأحاسيسه وحدسه،مما يجعل هذه المعرفة لا ترقى إلى المعرفة العلمية التي تأتي في نظر باشلارضدا على التجربة الأولى وتجاوزا لها.
ويرى كذلك أن الوقوف عند التجربة الأولى المتمثلة في الاتصال الأول بالموضوع عائقا معرفيا للموضوعية إذ يحول دون التحليل والتعرف على المتغيرات المتعلقة بالظاهرة .
مثال : الحركة الظاهرية للشمس؛ يرفض بعض الأفرادالقاعدة الفلكية القائلة بأن الارض تدور حول الشمس ،ويتمسكون بفكرة تفيد عكس ذلك لأن حواسهم تقر ذلك
2- عائق التعميم
يتوق الإنسان بصفة عامة و طبيعية إلى التعميم و المماثلةanalogie و خصوصا التعميم المتسرع,والذي يجد فيه متعة فكرية ,دون مقاربة حدود التعميم مما يعيق تقدم المعرفة العلمية التي تتوق بالعكس من ذلك إلي التخصيص. ومن أمثلة هذا العائق نسوق ما يلي :
بعد وصف سقوط بعض الأجسام علي الأرض, يتم استخلاص النتيجة العامة : جميع الأجسام تسقط
3- العائق اللغوي أو اللفظي
عندما تحول اللغة دون فهمنا للحقائق العلمية.
مثال: نتكلم عن اللونين الأبيض والأسود
صعوبة تقبل عدم وجود هذين اللونين
4- العائق الجوهري
يتمثل في إعطاء المادة جوهرا يحتوي بدوره على صفات.
مثال: - الرخام بارد .- الصوف دافئ....
و الواقع أن الحرارة والبرودة ليست من صفات المادة وإنما نتيجة لعلاقة الأجسام بعضها ببعض.
5- العائق الإحيائي
يتمثل هذا العائق في إسناد الروح إلى بعض الكائنات التي لا تتمتع بها، أي في إمتداد معارف بيولوجية أو فيزيولوجية إلى غير ميدانها، لكي تفسر على ضوئها ظواهر أخرى كالظواهر الفيزيائية والكيميائية.
مثال:
الماء سائل حي لأنه يسيل
النارحية لأنها تحرق
الأهمية البيداغوجية للعوائق الإبستمولوجية
1-المدلول البيداغوجي للخطأ وعلاقته بالعوائق الإبستمولوجية:
يتعين الأخذ بعين الاعتبار المسار الذي يتبعه من يتعلم، حتى وإن كان هدا المسار مؤقتا مسار الخطأ.
ينبغي أن يندرج تدخل المدرس في سيرورة المحاولة والخطأ. لاإقصاء هذه السيرورة.
في البيداغوجيا التقليدية ليس هناك أدنى تسامح مع الخطأ وتعتبره شيئا مشوشا وسقوطا وسوء فهم لاينبغي الوقوف عنده، لذا ينبغي إقصائه.
لكنه يحتل مكانة متميزة عند باشلار الذي استفاد من ممارسته التعليم في العلوم الفيزيائية كما تشهد بذلك هده الملاحظة التي أبداها :" غالبا ما أثار انتباهي كون مدرسي العلوم أكثر من سواهم، لا يفهمون لمادا لا نفهم، وقليل منهم من تعمق في سيكولوجية الخطأ والجهل واللاتفكير..."
ينبغي أن يندرج تدخل المدرس في سيرورة المحاولة والخطأ. لاإقصاء هذه السيرورة.
في البيداغوجيا التقليدية ليس هناك أدنى تسامح مع الخطأ وتعتبره شيئا مشوشا وسقوطا وسوء فهم لاينبغي الوقوف عنده، لذا ينبغي إقصائه.
لكنه يحتل مكانة متميزة عند باشلار الذي استفاد من ممارسته التعليم في العلوم الفيزيائية كما تشهد بذلك هده الملاحظة التي أبداها :" غالبا ما أثار انتباهي كون مدرسي العلوم أكثر من سواهم، لا يفهمون لمادا لا نفهم، وقليل منهم من تعمق في سيكولوجية الخطأ والجهل واللاتفكير..."
يلح باشلار على ضرورة التمييز بين أخطاء ليست سوى "سهوا لكلل ذهني" وبين" الخطأ الإيجابي، والخطأ المفيد، والخطأ العام، والخطأ العادي..." ويصبح الخطأ عند باشلار ظاهرة بيداغوجية ذات أهمية إذ يعتبره نقطة انطلاق المعرفة، لأن المعرفة العلمية لا تبدأ أبدا من الصفر،ولكنها تصطدم بمعرفة مستعملة موجودة من قبل.
فماذا يحدث للتلميذ إذا لم نعتبر تجربته والكيفية التي يستقبل بها المعارف التي نريد تلقينها له؟
يحدث أن هذه المعارف تبقى مجرد غلاف ملصق بتجارب التلميذ السابقة دون أن تندمج فيها وحتى وإن توصل التعليم، كما يبدو في البداية، إلى نجاح آني ،ففي وضعية مختلفة حين تكون إعادة استثمار المعرفة ضرورية يسقط التلميذ في أخطائه القديمة. وكما يقول المثل "اطرد ما هو طبيعي، يعود إليك راكضا".
ومن هنا فإن تجربة الأخطاء التي سطر عليها باشلار بلون أحمر في أوراق الإختبار هي التي حدت به إلى صياغة مفهوم العائق الإبستمولوجي obstacles épistémologique .
2-علاقة التمثلات بالعوائق الإبستمولوجية
غالبا ما يقرن مفهوم العائق الإستمولوجي بالتمثل على مستوى الممارسة الديداكتيكية إلى حد ذهب فيه بعض العلماء إلى جعل أحدهما مرادفا للآخر.
إذا اعتبرنا أن التمثل يعني على العموم،أية صورة يبنيها الفرد حول محيطه (بما فيه نفسه)،إلا أن هذا المفهوم سيأخذ معاني مختلفة حسب استعماله (علم النفس، الفلسفة، الرياضيات، الفيزياء، الديداكتيك، علم النفس التربوي...)
وفي المقابل انحصر معنى كلمة عائق في أدهاننا في الإشارة لوظيفة واحدة تعبر عن فكرة التوقف أو المنع في وجه إرساء معرفة علمية موضوعية.
أما في ميدان الممارسة التربوية فتعتبر التمثلات السلبية عائقا يحول دون اكتسابهم لمعرفة جديدة. فالفرد يبني معرفته الجديدة على أنقاض معرفة قديمة خاصة به، فلا يمكن إذن أن نعمل على تطوير معرفته إن لم ننطلق من تمثلاته، وعلى هدا الأساس فلا يكفي أن يجعل المدرس من أولويات اهتماماته وضوح الإرسالية التي يوجهها إلى التلاميذ والبحث عن أنجع الوسائل لتحفيزهم على التعلم، بل يتعين عليه أن يكون واعيا بتمثلاتهم قصد تحليلها بغية تجاوز الخاطئة منها وتعويضها بمعرفة علمية صحيحة. ومن هدا المنطلق، يجب على المدرسين أن يتعاملوا مع الأخطاء التي يرتكبها التلاميذ بنظرة جديدة وموضوعية.
3- تقنيات الكشف عن العوائق ووضعيات تجاوزها
1-تقنيات الكشف
حدد جيوردان التقنيات التي يمكن استعمالها للكشف عن وجود العوائق الإبستمولوجية و التمثلات لدى المتعلم و حصرها كالتالي:
المقابلة:
- الفردية . الخطاب اللغوي فقط
- مع مجموعات صغيرة بالاعتماد على . الخطاب المكتوب (رسوم خطاطات)
- مجموعات القسم . الوسائل التي يستعملها التلميد(أدوات المختبر )
. الأجهزة و الوثائق
الاستبيان
نصف موجه . أسئلة فقط
موجه . أسئلة مدعمة
أسئلة مفتوحة . أسئلة ترافقها معلومات مساعدة
أسئلة دات أجوبة متعددة
ملاحظة القسم
الجانب الشفوي . مسودات التلاميد
الجانب الحركي . إنتاج تلقائي
الجانب الكتابي . إنتاج مطلوب
2- وضعيات التجاوز
يتدخل المدرس بوضعية خاصة تسمح بالتشكيك في تصور التلميذ و العائق الذي يمثله التصور.
الهدف: تفكيك تصورات التلميذ الخاطئة. و حين يتحقق الهدف يقترح المدرس المعرفة الصحيحة.
حل المشكلات
يعتبر حل المشكلات نهجا قديما في تاريخ التفكير البشري، حيث يركز على اكتساب قواعد جديدة انطلاقا من قواعد مكتسبة سابقا وجعلها قابلة للتطبيق.
والتعلم بالمشكلات أو ما يسمى "ببيداغوجيا حل المشكلات" هو نمط من التعلم يتمركز حول المتعلم لاستنفاره واستثارة مهاراته أو معارفه أو قدراته، لرصد الترابطات الممكنة بين عناصر المشكل المطروح لبناء التعلمات. ومن بين أسسه مواجهة المتعلم لمشكل من دون التعرض إليه سابقا. فالمشكل المطروح ليست الغاية منه إيجاد حلول، بل إدراك كل ما يرتبط بهذا المشكل.
المراجع المعتمدة
”الخطاب الديداكتيكي بالمدرسة الاساسية بين التصور والممارسة“
محمد لمباشري الطبعة 1 / 2002
”عوائق تدريس مادة الفيزياء بالمدرسة الأساسية“ بحث أنجز ب م.ت.م.ت
من طرف محمد طويانو و ماليكة بوازمان سنة 1999
Giordan.A « vers un modèle didactique d’apprentissage » , 1987 p:234
Bachelard(G) ; F.E.S
التشكيك في معرفة التلميذ( من ذاته)
إرسال تعليق