الكتاب المدرسي : الوظيفة والاستعمال
لكل مجتمع فلسفته التربوية، ولكل فلسفة تربوية منهاج يترجمها من خلال رصد الغايات والأهداف والبرامج والمقررات والمضامين والأنشطة والأدوات والوسائل والطرائق والمنهجيات وأساليب التقويم المصاحبة. ويعتبر الكتاب المدرسي عنصرا من عناصر المنهاج باعتباره وسيلة من الوسائل المتفاعلة مع باقي عناصر المنهاج المختلفة تفاعلا جدليا.
ـ تعريف الكتاب المدرسي:
التعريف الاصطلاحي لمصطلح كتاب مدرسي : من التعريفات الاصطلاحية المتداولة للكتاب المدرسي أنه عبارة عن وثيقة تربوية في شكل وعاء يحتوي مادة تعليمية تعتبر مرجعا أساسا يستقي منه المتعلمون معلوماتهم ، وهو وسيلة تضم بكيفية منتظمة المواد والمحتويات والمنهجيات وأدوات قياس مكتسبات المتعلمين . وكلمة وثيقة في حد ذاتها توحي بالإحكام في جمع مواد الكتاب المدرسي وفق تخطيط مسبق دقيق ومحكم، لأن الشيء الوثيق في اللغة العربية هو المحكم، والأرض الوثيقة هي الكثيرة العشب الموثوق بها. وخلاصة القول أن مواد الكتاب المدرسي تجمع بدقة وعناية وتخطيط مسبق ومحكم.
ـ التعريف اللغوي لصفة مدرسي : صفة مدرسي مشتقة من فعل درس بمعنى دق أو أبلى ،أو أخلق ،أو عفا ،أو راض ، أو ذلل ، إذ يقال درس الأثر إذا عفا ، ودرس الثوب إذا بلي ، ودرس الناقة إذا راضها وذللها ، ودرس الحب إذا دقه ، ودرس الكتاب إذا ذللـه بكثرة القراءة حتى خف حفظه عليه ، وكأنه عانده حتى انقاد لحفظه. فالقاسم المشارك بين هذه الدلالات المختلفة هو كثرة الاستعمال فلا يعفو الأثر ولا يخلق الثوب و لايدق الحب، ولا تراض الناقة ولا يذلل الكتاب إلا بكثرة الاستعمال. وتسمى كثرة القراءة دراسة حتى أن نبي الله إدريس سمي كذلك لكثرة دراسته أو قراءته أو تكراره لما أوحي إليه علما بأن اسمه حسب بعض المصادر التاريخية هو : ” أخنوخ ” . والعرب تقول درست الصعب حتى رضته، لهذا فصفة مدرسي بهذا الاعتبار تعني ترويض المعلومات للمتعلمين وتذليلها لهم.
ـ التعريف الاصطلاحي لصفة مدرسي : صفة مدرسي اصطلاحا ترتبط بمصطلح مدرسة الذي له تعريفات مختلفة تلتقي عند كون المدرسة هي مؤسسة اجتماعية تحل محل غيرها من المؤسسات الاجتماعية كالأسرة مثلا من أجل الاضطلاع بمهمة التربية بحيث تنتقل التربية من تربية أسرية خاصة إلى تربية مجتمعية عامة. وتقوم المدرسة بدور التكوين الأساسي للأفراد حسب كل فلسفة تربوية في المجتمع. وعندما يوصف الكتاب بأنه مدرسي فمعنى ذلك أنه يقوم بدور التكوين الأساسي للمتعلمين عقليا ونفسيا واجتماعيا. وهو يساير في ذلك الخط الرسمي لمؤسسة المدرسة حسب المراحل التعليمية، وحسب نوعية هذه المؤسسة، وحسب أعمار المتعلمين، وحسب نظام الدراسة إلى غير ذلك من المواصفات المحددة لمؤسسة المدرسة حسب الفلسفة التربوية للمجتمعات.
- وظائف الكتاب المدرسي : إن وظيفة الكتاب المدرسي الأساسية يحددها المنهاج. فالكتاب المدرسي عبارة عن مكون من مكونات المنهاج ، وهو وسيلة . والوسيلة في اللغة هي الوصلة والقربى، حيث جاء في الذكر الحكيم: [ أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة ] فالوسيلة هي ما يتقرب به إلى الغير أو يتوصل به إلى الشيء. والكتاب المدرسي باعتباره وسيلة يتوصل به إلى تكوين أساسي للمتعلمين ، والتقرب إلى تحقيق مستويات تعلمية يستهدفها المنهاج. وتتفرع عن وظيفة الكتاب الأساسية وظائف فرعية تتعدد بتعدد الجهات التي تستعمله سواء كانت المؤسسة الرسمية التي هي المدرسة أم المدرس أم المتمدرس أم جهات أخرى لها صلة بالمدرسة.
ـ وظيفة الكتاب المدرسي باعتبار المؤسسة المدرسية : لما كانت المدرسة مؤسسة اجتماعية انتدبها المجتمع للقيام بدور التربية المجتمعية العامة المكملة للتربية الأسرية الخاصة فإنها بموجب الفلسفة التربوية للمجتمع تعتمد منهاجا من ضمن مكوناته الوسائل التي من بينها الكتاب المدرسي. ومعلوم أن بناء المنهاج يأخذ في اعتباراته الحلقة التربوية من أدنى مستوياتها إلى أعلاها حسب الفئات العمرية للمتعلمين لهذا يتكيف الكتاب المدرسي مع هذا الاعتبار للقيام بدور الوسيلة التي تستخدم من أجل تحقيق الغاية والهدف الذي يسطره منهاج تحكمه فلسفة تربوية. وللكتاب المدرسي من وجهة نظر مؤسسة المدرسة الرسمية المسؤولة عن التربية المجتمعية وظيفة هي أجرأة غاية الفلسفة التربوية من خلال تغطية الكتاب المدرسي لبرامج ومقررات محددة. وهذه الوظيفة لا تبارح عملية التأليف حيث تعمد المؤسسة الرسمية إلى تحديد مواصفات الكتاب المدرسي المنشود عن طريق اقتراحات يتضمنها دفتر تحملات يستنير به الممارسون لعملية التأليف المدرسي. ووظيفة الكتاب المدرسي في هذا المستوى، أو خلال هذه المرحلة هي تحقيق أكبر قدر ممكن من التوافق مع مكون البرامج والمقررات بشكل خاص ومع باقي مكونات المنهاج بشكل عام. ومن خلال رفض بعض مشاريع الكتب المدرسية تتأكد هذه الوظيفة لأن عملية رفض هذه المشاريع تعني عدم تحقق القدر الكافي من التوافق بينها وبين باقي مكونات المنهاج. وبموجب هذه الوظيفة لا يمكن للمؤسسة الرسمية التي تتبنى الكتاب المدرسي المتداول رسميا التملص من مسؤولية فشل أو نجاح هذه الوسيلة. وكل خلل يعتري الوسيلة من حيث مناقضة غايات أو أهداف الفلسفة التربوية تقع مسؤوليته على المؤسسة الرسمية بالضرورة ، كما أن نجاح الوسيلة يعود الفضل فيه للجهة المسؤولة أيضا. وهذه الوظيفة قلما يتنبه إليها البعض لأنها وظيفة ما قبل استعمال الكتاب المدرسي، هي وظيفة بالغة الأهمية لأن كل تعثر يلحق هذه المرحلة تكون له انعكاسات سلبية على المراحل التالية وعلى الوظائف اللاحقة.
ـ وظيفة الكتاب المدرسي باعتبار المدرس : من المعلوم أن التعليم هو أحد طرفي العملية التعليمية التعلمية ، لأن التعلم هو الموجه للتعليم. والتعليم حسب التعاريف المختصة هو عبارة عن نوع من التدخل في أنشطة التعلم من أجل تحقيق أهداف التربية المؤسساتية ، وذلك عن طريق تبليغ مجموعة من المعارف العامة و الخاصة ، وكذا تبليغ أشكال التفكير ووسائله من خلال استعمال طرق معدة لهذا الغرض.
والتعليم في نهاية المطاف عبارة عن ترجمة عملية لمقاصد المنهاج وفق مراحل معينة وهي مرحلة التحضير ويتعلق الأمر بصياغة الأهداف والتقويم القبلي ، وتصميم عملية التدريس ، واقتراح خطته في شكل أنماط تعليمية وأنشطة تعلمية وإجراءات عملية داخل الفصل الدراسي. ومرحلة التنفيذ ويتعلق الأمر بانجاز ما تم تحضيره في المرحلة السابقة . ومرحلة التقويم ويتعلق الأمر بتثمين أنشطة التعلم من خلال تصحيحها وتوجيهها. وبهذا يخضع التعليم لخطة قوامها تخطيط أهداف الدروس واختيار المحتويات وتنظيمها، واختيار الطرق والوسائل وإدماجها، وتنظيم عمليات التقويم وبناء أدواتها، وأخيرا إنجاز خطط الدعم والتقوية لمواجهة عملية تعثر التعلم. ومصطلح تعليم أعم من العمليات التي تكونه كالتدريس والتدريب والتنظيم والإرشاد والتنشيط…. إلخ . وقد يشار إلى التعليم بالتدريس أو التلقين أو الإقراء أو التأديب حسب الفلسفات الموجهة للمنهاج. وعملية انتقال المعلومات والمعارف من المعلمين إلى المتعلمين أو انتقال الخبرات أو اكتشاف الكفايات من طرف المعلمين في المتعلمين وتنميتها أو تطويرها أو تفعيلها كل ذلك يؤثر على تسمية العملية التعليمية. والمشهور أن نقل العلم والمعرفة من مرحلة القوة إلى مرحلة الفعل هو العملية التعليمية، وهو عملية تذليل نقل العلم والمعرفة والخبرة كما يوحي بذلك مصطلح التدريس الذي مر بنا. ويشترط في ممتهن التعليم أن يتقن مجموعة من الوظائف المرتبطة بنقل المعرفة والعلم لغرض التربية ومنها : القدرة على تقدير حاجيات المتعلمين من التعلم ، والقدرة على تلبية هذه الحاجيات ، عن طريق حسن اختيار وسائل التواصل المسهلة لنقل المعرفة والعلم والخبرة ، والقدرة على تقويم التغير الحاصل في عملية التعلم ، فضلا عن القدرة على ربط العلاقات مع المتعلمين ، وكذا القدرة على ربط المنهاج بحياة المتعلمين. وعندما نحاول موقعة الكتاب المدرسي داخل دائرة العملية التعليمية نجده يدخل ضمن الوسائل المعتمدة في هذه العملية حيث يتم دمجه بعد تخطيط الأهداف واختيار المحتويات، و قبل التقويم والدعم والتقوية. فالمدرس يحتك بالكتاب المدرسي خلال مرحلتين هما:
والتعليم في نهاية المطاف عبارة عن ترجمة عملية لمقاصد المنهاج وفق مراحل معينة وهي مرحلة التحضير ويتعلق الأمر بصياغة الأهداف والتقويم القبلي ، وتصميم عملية التدريس ، واقتراح خطته في شكل أنماط تعليمية وأنشطة تعلمية وإجراءات عملية داخل الفصل الدراسي. ومرحلة التنفيذ ويتعلق الأمر بانجاز ما تم تحضيره في المرحلة السابقة . ومرحلة التقويم ويتعلق الأمر بتثمين أنشطة التعلم من خلال تصحيحها وتوجيهها. وبهذا يخضع التعليم لخطة قوامها تخطيط أهداف الدروس واختيار المحتويات وتنظيمها، واختيار الطرق والوسائل وإدماجها، وتنظيم عمليات التقويم وبناء أدواتها، وأخيرا إنجاز خطط الدعم والتقوية لمواجهة عملية تعثر التعلم. ومصطلح تعليم أعم من العمليات التي تكونه كالتدريس والتدريب والتنظيم والإرشاد والتنشيط…. إلخ . وقد يشار إلى التعليم بالتدريس أو التلقين أو الإقراء أو التأديب حسب الفلسفات الموجهة للمنهاج. وعملية انتقال المعلومات والمعارف من المعلمين إلى المتعلمين أو انتقال الخبرات أو اكتشاف الكفايات من طرف المعلمين في المتعلمين وتنميتها أو تطويرها أو تفعيلها كل ذلك يؤثر على تسمية العملية التعليمية. والمشهور أن نقل العلم والمعرفة من مرحلة القوة إلى مرحلة الفعل هو العملية التعليمية، وهو عملية تذليل نقل العلم والمعرفة والخبرة كما يوحي بذلك مصطلح التدريس الذي مر بنا. ويشترط في ممتهن التعليم أن يتقن مجموعة من الوظائف المرتبطة بنقل المعرفة والعلم لغرض التربية ومنها : القدرة على تقدير حاجيات المتعلمين من التعلم ، والقدرة على تلبية هذه الحاجيات ، عن طريق حسن اختيار وسائل التواصل المسهلة لنقل المعرفة والعلم والخبرة ، والقدرة على تقويم التغير الحاصل في عملية التعلم ، فضلا عن القدرة على ربط العلاقات مع المتعلمين ، وكذا القدرة على ربط المنهاج بحياة المتعلمين. وعندما نحاول موقعة الكتاب المدرسي داخل دائرة العملية التعليمية نجده يدخل ضمن الوسائل المعتمدة في هذه العملية حيث يتم دمجه بعد تخطيط الأهداف واختيار المحتويات، و قبل التقويم والدعم والتقوية. فالمدرس يحتك بالكتاب المدرسي خلال مرحلتين هما:
ـ مرحلة إعداد المادة التعليمية حيث يضع هذا الإعداد في حسابه الحدود التي يرسمها الكتاب المدرسي لحجم المعلومات والمعارف والخبرات في مكون من المكونات ، وفي أجل قوامه المجزوءة أو المجال والحصة …. إلخ .
ـ مرحلة انجاز المادة التعليمية حيث يصير الكتاب وسيلة ميدانية ضمن باقي الوسائل المتاحة والمواكبة لعملية نقل المعلومات والمعارف والخبرات للمتعلمين.
وفي المرحلتين معا لا يعدو الكتاب المدرسي بالنسبة للمدرس مجرد قوة اقتراحية ما دامت عمليات اختيار المحتويات وتنظيمها من مهام المدرس مما يعني عدم فرض محتويات الكتاب المدرسي على اختيار المدرس إذ لا يمكن بالضرورة أن تستجيب محتويات الكتاب المدرسي لاختيارات وحاجيات المدرس. ومحتويات الكتاب المدرسي تظل مجرد آفاق لا يمكن أن تنفي غيرها من الآفاق المتاحة للمدرس. والكتاب المدرسي مقيد بمسلمة مفادها توفير الحد الأدنى من المعلومات والمعارف والخبرات لتحقيق أهداف التعلم، ويبقى توفير الحد الأقصى من المعلومات والمعارف والخبرات من صميم مهام التعليم حيث يعتمد المدرس وسائل أخرى إلى جانب الكتاب المدرسي لتحقيق هذا الحد الأقصى.
وتعامل المدرس مع الكتاب المدرسي يطبعه التقاطع في نقط معينة معه سواء أثناء إعداد الدرس أو أثناء إنجازه حيث قد ينطلق المدرس من مواد وأنشطة يقترحها الكتاب المدرسي كعتبات للاستئناس والتي قد يتجاوزها المدرس إلى مواد وأنشطة موازية أو تكميلية أو تفصيلية …. إلخ وهذا يعني أن التوافق بين المدرس والكتاب المدرسي ليس متاحا دائما إذ قد يعلن المدرس القطيعة مع الكتاب سواء خلال مرحلة التحضير أم خلال مرحلة الإنجاز بل هو يطالب المتعلمين أحيانا بفك الارتباط مع الكتاب المدرسي سواء تعلق الأمر بمرحلة الإعداد القبلي حيث يحيلهم على مصادر بديلة للكتاب المدرسي ، أو بمرحلة الانجاز حيث يصير الكتاب غير مجد أو لا يمكن استخدامه على الأقل . وقد يبلغ الأمر حد إعلان المدرس عن قصور الكتاب المدرسي. وإذا ما تأملنا علاقة المدرس بالكتاب المدرسي عموما وفق الرصد الميداني يمكن استنتاج ما يلي:
ـ علاقة تصادم ، وهي علاقة ايجابية تعكس وعي المدرس بطبيعة الكتاب المدرسي كمجرد وسيلة بقدرته الاقتراحية.
ـ علاقة خضوع وتبعية ، وهي علاقة سلبية تعكس غياب وعي المدرس بطبيعة الكتاب المدرسي كوسيلة بقدرته الاقتراحية ، وفي هذه الحال يلغي الكتاب المدرسي شخصية المدرس ليحل محلها بشكل متسلط ، ويصير المدرس مجرد وسيلة تتوسط بين المتعلمين والكتاب المدرسي من حيث التعامل مع المعارف بشكل حيادي تفرضه قوة حضور الكتاب المدرسي . كما أنه في هذه الحالة تغيب باقي الوسائل المتاحة للتعلم. ومعيار قياس علاقة المدرس بالكتاب المدرسي هو الوقوف على مدى تأثير المدرس في المتعلمين فيما يخص بلورة تصورات صحيحة عن هذا الكتاب بما في ذلك إسقاط تصور القداسة والعصمة ، وكذلك مدة التأثير عليهم في علاقتهم بالكتاب المدرسي من حيث التفاعل الايجابي أو الخضوع السلبي .
ـ وظيفة الكتاب المدرسي باعتبار المتعلم : كما مر بنا يعتبر التعلم أحد طرفي العملية التعليمية التعلمية ، وهو أيضا حسب التعاريف المختصة عملية اكتساب المعارف والخبرات المساعدة على إشباع الحاجات ، أو هو عملية تغيير في السلوك ينتج عن الإثارة ، أو هو عملية اكتساب السلوك في وضعيات محددة من خلال التفاعل بين المتعلم وموضوع التعلم . والفرد المتعلم عبارة ة عن مجموع الكفايات والقدرات والاستعدادات المختلفة ذهنيا وسيكولوجيا وثقافيا …. إلخ . وموضوع التعلم عبارة عن أشكال وأنواع مختلفة من الأنشطة المعرفية والمهارية والمواقف . وتختلف وضعيات التعلم من حيث التلقائية والقصدية …. ونتائج التعلم عبارة عن انجازات تختلف من متعلم إلى آخر وتعكس درجة التعلم . والتعلم يقوم على أساس التفاعل بين الذات المتعلمة وموضوع التعلم ووضعية التعلم . والكتاب المدرسي باعتباره وسيلة تعلم يتموقع داخل هذا التفاعل إذ هو باعتبار حمولته معارف ومهارات ومواقف ، وباعتبار وظيفته وسيلة تحدد نوعية الوضعية التعلمية سواء التلقائية أم القصدية أي النظامية ، ذلك أنه في التعلم القصدي أو النظامي يحدد المنهاج الكتاب المدرسي ضمن عناصره ، ويجعله العنصر الوسيلة. فبعدما كان المتعلم يعتمد كليا على المدرس الذي كان مصدر معرفته الوحيد صار الكتاب المدرسي وسيلة موصلة إلى المعارف عبر حمولته المختلفة ، وصار شريكا للمدرس دون أن يكون بديلا عنه خصوصا خارج أسوار المؤسسة التربوية حيث يجد المتعلم نفسه وحيدا أمام نمط التعلم الذاتي حيث يغيب المدرس ولا يغيب الكتاب المدرسي الذي يصير مدرسا معنويا لتلميذ. ويتغير دور الكتاب المدرسي داخل المؤسسة التربوية بحضور المدرس. واختلاف تعامل المتعلم مع الكتاب المدرسي تتحكم فيه ظروف التعلم خارج وداخل المؤسسة التربوية .فخارج المؤسسة التربوية يهيمن التعلم الذاتي الذي يفرض على المتعلم قناعة التحصيل غير الحصين والمعرض للتعثر ما دام المتعلم يعتمد على قدراته في غياب توجيه المدرس بينما يتم التعلم الصفي بقناعة التحصيل الحصين البعيد عن التعثر لموجود المدرس باعتباره موجها ومرشدا. وفي كلا النوعين التعلم الذاتي والتعلم الصفي يكون حضور الكتاب المدرسي بشكل يناسب نوعية التعلم. فالمتعلم الذي يقف من الكتاب المدرسي أثناء التعلم الذاتي موقف الخضوع، يتغير سلوكه معه أثناء التعلم الصفي بسبب وجود المدرس كسلطة معرفية تتحكم في كيفية تعامل هذا المتعلم مع الكتاب المدرسي. ويمكن القول أن علاقة المتعلم بالكتاب خارج المؤسسة التربوية يطبعها الخضوع، بينما تتحول إلى علاقة تمرد وتجاسر على الكتاب المدرسي داخل الفصول الدراسية، وكثيرا ما يلاحظ الزهو لدى المتعلم وهو يصوب عثرات الكتاب المدرسي بمساعدة وتوجيه مدرسه. وقد تنعكس علاقة المدرس بالكتاب المدرسي على المتعلم من حيث الخضوع أو التصادم إذ يتقمص المتعلم شخصية مدرسه وبذلك يتكون لديه وعي تجاه الكتاب المدرسي باعتباره مجرد وسيلة ذات قدرة اقتراحية لتنمية كفاياته وقدراته ومهاراته أو باعتباره مصدر معرفة مثالي لا يأتيه باطل من بين يديه ولا من خلفه مما يكسبه القدسية والعصمة ، وتصير كفايات هذا المتعلم محصورة في استرجاع أو استظهار معطيات الكتاب المدرسي.
ـ وظيفة الكتاب المدرسي باعتبار أطراف أخرى : إلى جانب الأطراف التقليدية ذات الصلة بالكتاب المدرسي توجد أطراف أخرى ذات علاقة به. ومن بين هذه الأطراف الأسرة والمتمثلة في الآباء والأولياء. ومعلوم أن مؤسسة الأسرة تضطلع بالمراحل الأولى من التربية الخاصة التلقائية قبل أن تتولى المؤسسة المدرسية التربية العامة النظامية. فعلاقة الآباء والأولياء بالكتاب المدرسي قد لا تتجاوز علاقة اقتنائه ضمن اللوازم المدرسية ، وهو في هذه الحالة مجرد عبء مادي يثقل الكواهل في بداية كل موسم دراسي ، ولكن قد تتطور هذه العلاقة في بعض الأحيان ليصير للكتاب المدرسي وجود داخل البيوت ، وهو المؤشر على تحصيل الأبناء بالنسبة للآباء والأولياء إذ بقدر حضوره اليومي تتقوى قناعتهم بتحصيل أبنائهم . وفي أحيان قليلة أو حتى نادرة نجد بعض الأولياء والآباء يدخلون في علاقات تصادم مع الكتاب المدرسي عندما يقدم ما يشوش على تربيتهم الأسرية الخاصة أو يعاكس قناعاتهم الثقافية والإيديولوجية والسياسية. ومن الأطراف ذات العلاقة بالكتاب المدرسي المهتمون بالشأن التربوي عموما سواء كانوا باحثين أو منظرين تربويين أو رجال إدارة تربوية أو مشرفين تربويين…. فالمشرفون التربويون على سبيل المثال وبحكم طبيعة عملهم المنحصرة في تتبع العملية التعليمية التعلمية في شتى مراحلها قصد التقويم والتوجيه والتصحيح يعتمدون الكتاب المدرسي كمؤشر من مؤشرات تتبع العملية التعليمية التعلمية ذلك أن تقاريرهم الميدانية تتعرض للكتاب المدرسي من زوايا متعددة سواء تعلق الأمر باستعماله في مرحلة التعلم الذاتي أم في مرحلة التعلم الصفي بالنسبة للمتعلم ، أو تعلق الأمر باستعماله في مرحلة إعداد الدروس أم في مرحلة إنجازها بالنسبة للمدرس.وإلى جانب التعامل الميداني مع الكتاب المدرسي تنصب بحوث واهتمامات المشرفين التربويين عليه ضمن عملية تقويم المنهاج الدراسي . وقد يكون مؤلفو الكتاب المدرسي من فئة المشرفين التربويين فتكون علاقتهم به أوثق. وللباحثين والدارسين علاقة بالكتاب المدرسي حيث يكون موضوع بحثهم ودراستهم سواء تعلق الأمر به كوسيلة أم تعلق الأمر باستخداماته غير التربوية وذات العلاقة بما هو ثقافي أو سياسي أواجتماعي كما هو الشأن بالنسبة للدراسات التي تنصب على الحمولة الأيديولوجية للكتب المدرسية من قبيل قياس مدى تأثير هذه الحمولة في قناعات المتعلمين ، ونضرب كمثال الدراسات التي تناولت صورة الإنسان العربي في الكتب المدرسية الإسرائيلية أو العكس. ومن خلال تعدد الأطراف المتعاملة مع الكتاب المدرسي تتعدد وظائفه التي قد تتجاوز حدود ما هو تربوي إلى آفاق أخرى متعددة. وقد يصير الكتاب المدرسي سبب خلافات إيديولوجية بين الأمم كما كان شأن كتاب التاريخ المدرسي الياباني الذي أدين من طرف الصين المجاورة بسبب حمولته التي يخشى أن تكرس قناعات غير مقبولة من التاريخ الياباني في أذهان الناشئة.
ـ بعض المؤثرات في الكتاب المدرسي : يخضع الكتاب المدرسي لمؤثرات شتى منها تطور المنهاج الذي يترتب عنه تطور عناصره بسبب تطور الفلسفة التربوية. وهذه التأثيرات تكون عبر مراحل سيرورة العملية التعليمية التعلمية ووفق الاصلاحات التي تقررها السلطة التربوية في المجتمع تبعا للقرار السياسي. ومن المؤثرات في الكتاب المدرسي ظاهرة ما يسمى بالتأليف الموازي، و هو تأليف يوازي تأليف الكتاب المدرسي. وتختلف وجهات النظر في هذا التأليف فالبعض يلحقه بالتأليف المدرسي لكونه يلعب نفس الدور الذي يلعبه التأليف المدرسي ، بينما يرى البعض أنه مجرد مزايدة على التأليف المدرسي يقوم بدور التشويش على الكتاب المدرسي إذ يعمد بعض التأليف الموازي إلى حل الإشكالات التي يطرحها التأليف المدرسي والتي تهدف إلى استفزاز كفايات وقدرات المتعلم ، فيصير تدخل التأليف المدرسي سلبيا من خلال نماذج التمارين المصحوبة بالحلول على سبيل الذكر لا الحصر. ومن الكتب المدرسية التي تسهم في انتشار ظاهرة التأليف الموازي المؤلفات الإبداعية التي تقرر ككتب مدرسية وتستوجب المعالجة المنهجية التي قد لا تتوفر في حصص التعلم الصفي فيلجأ البعض إلى توفير التأليف الموازي قصد هذه المعالجة من أجل التعلم الذاتي ، ولكن يتحول الأمر إلى اقتحام التأليف الموازي للفصول الدراسية ليخضع المدرسين والمتعلمين على حد سواء لطرق معالجته للمؤلفات الإبداعية في غياب كتب مدرسية تعد خصيصا لهذا الغرض.
ختم : إن الاستعمال الأمثل للكتاب المدرسي بالنسبة لكل الأطراف المعنية هو الذي يتحكم في وظائفه المختلفة داخل وخارج المؤسسات التربوية ، وفي مختلف مراحل العملية التعليمية التعلمية. و الكتاب المدرسي في نهاية المطاف مؤشر من مؤشرات قياس نجاح أو فشل الفلسفة التربوية للمجتمع.
من إعداد : محمد شركي / مفتش مادة اللغة العربية / بتصرف
إرسال تعليق
مقال جيد، شكرا لكم
ردحذف