الضغط النفسي لدى الأساتذة .. أسبابه وعلاجه
من الأمور التي يلاحظها الأساتذة أو المراقب لأحوالهم، الضغط النفسي الذي يتعرض له بعضهم أثناء مزاولة مهامهم التربوية سواء داخل القسم أو خارجه. ولهذا الضغط النفسي علامات، منها:
1.الشعور بالنفور من التدريس والملل من القسم والتلاميذ؛
2.انخفاض الدافعية للمشاركة في أنشطة الحياة المدرسية؛
3.عدم الاهتمام بالإعداد للدرس، وأداؤه بأقل قدر من الجهد والوقت؛
4.التأخر في الذهاب للعمل وعدم متابعة واجبات التلاميذ كما يجب؛
5.الإكثار من انتقاد التلاميذ واتهامهم بالكسل وعدم الفهم (وقد يكون هذا صحيحا!)؛
6.كثرة التذمر من أوضاع المدرسة وأوضاع التعليم والمنظومة التربوية بشكل عام؛
فالضغط النفسي حالة يشعر فيها الأستاذ بأن جهده يضيع سدى وليس له ثمرة وأنه يبذل كل ما عنده ولا أحد يقدر أو يستفيد.
آثار هذه الحالة
وهذه الحالة إذا لم يسارع في علاجها فقد يكون لها أثر سيء على تحصيل التلاميذ وعلى جو المدرسة العام. بل قد يتعدى أثرها إلى المستقبل المهني لأستاذ نفسه، بحيث تترسخ هذه النظرة فتؤثر على نظرة الأستاذ للتلاميذ وللتعليم بشكل عام.
آثارها على التلاميذ
لا شك أن التلميذ هو مركز العملية التعليمية التعلمية، فأي خلل أو ضعف في أحد عناصر العملية التعليمية (المثلث الديداكتيكي)، خاصة الأستاذ، يكون أثرها كبيرا عليهم. وفي هذه الحالة، فالأثر مباشر وعميق.
فالتلميذ الذي يرى الأستاذ لا يبالي بالإعداد للدرس أو يتأخر في الحضور أو لا يهتم بالواجبات المدرسية سيتولد ليه شعور مماثل بعدم الاهتمام بهذه الأشياء. وبرود الأستاذ في أدائه لدرسه سيفقد التلاميذ الدافيعة للتعلم، مما يجعل الدرس مملا. وهذا بدوره يزيد من الضغط النفسي لدى الأستاذ.
أيضا القرارات التي يتخذها الأستاذ اتجاه تلاميذه سواء كانت تدبيرية او تقويمية في هذه الحالة يرجح أنها لا تكون دقيقة وتضيع معها حقوق أطراف ليس لها دخل في السبب.
آثارها على جو الحياة المدرسية العام
تعاون الأساتذة ونشاطهم أساس نجاح المدرسة. والأستاذ الذي يمر بهذه الحالة ليس لديه دافعية للتعاون والمشاركة. بل قد يزيد الأمر سوء بأن يأخذ في تثبيط زملائه من العمل الجماعي والتعاون في نشاطات المدرسة. فيفتقد بذلك الجو الجماعي التعاوني في المدرسة لتصبح مجموعة من الأفراد الذين لا يجمعهم إلا المكان فقط. فلا تربطهم اهداف مشتركة ولا هموم ومطالب مشتركة. وهذا الجو أيضا يزيد في الضغط النفسي للأستاذ، بحيث تتسع دائرته، فبدلا من الفصل تصبح المدرسة ذاتها غير مريحة له، فلا يشعر بالرغبة في البقاء فيها.
ويلاحظ هنا أن بعض نتائج وآثار المشكلة أصبحت تعزز المشكلة وتعمقها وتوسع دائرتها، بحيث تدخل المشكلة في حلقة مفرغة كلما تقدم بها الوقت، يصعب معها العلاج.
أثارها على الأستاذ
الأستاذ بشر، يتأثر بعواطفه وما يتعرض له من ضغوط وما يدور في بيئته. وهذا النوع من الضغط النفسي إذا لم يبادر بعلاجه يتسبب في تعب نفسي شديد يؤدي به إلى اتخاذ قرارات غير سليمة، مثل قرارات المشاركة في بعض أنشطة الأندية المدرسية أو أنشطة الموازية والمندمجة، وقد تصل تلك القرارات إلى كثرة التغيبات والبحث عن المبررات لها.
أيضا تؤثر هذه الحالة سلبا على نظرة الأستاذ للعملية التعليمية، ونظرته للتلاميذ، وهي نظرة إذا لم تعدل فقد تتأصل فتصبح دائمة، بحيث يكون لدى الأستاذ قناعة بأن التلاميذ كسالى ولا يفهمون وأن العمل معهم جهد ضائع، وأن الأستاذ فقط مسؤول عن أداء درسه ولو بأقل جهد، وليس له علاقة بزملائه في المدرسة ما دام قائما بدرسه.
أسبابها
الأسباب التي تتعلق بالتلاميذ
1.سوء السلوك والشغب في القسم
2.انخفاض الدافعية للتعلم
3.بطء التعلم
4.إهمال الواجبات
الأسباب التي تتعلق بالأستاذ
1. عدم إلمامه بالقواعد الصحيحة والحديثة للتعلم. فمن الأساتذة من يرى أن إلقاء الدرسبشكل من الأشكال في غياب تقنيات التنشيط كاف لإفهام التلاميذ. فيصاب بإحباط عند عدم تحقق ذلك.
2. عدم إلمامه بالخصائص النفسية للتلاميذ (علم النفس التربوي وسيكولوجية الطفل والمراهق). فمن الأساتذة من يجهل خصائص المرحلة التي يعلم فيها. فلا يعلم خصائص فترة المراهقة المبكرة، مثلا،وما يصاحبها من سلوكيات. فيفسر تصرفات التلاميذ بقياسها على تصرفات فئة أكثر وعيا أو كراشدين مثلا. ويقيس قدراتهم في التعليم والتذكر والتصور المجرد على قدرات الراشدين. وهذا ما يجعله يتوقع أشياء كثيرة من التلاميذ فيفاجأ بالقليل. أيضا عدم الإلمام بالفروق الفردية بين المتعلمين ( البيداغوجيا الفارقية وباقي البيداغوجيات الحديثة ...) ، واختلاف أساليب التلاميذ المفضلة في التعلم.
فمنهم ـ مثلا ـ من يفضل الأساليب الفردية، ومنهم من يفضل الجماعية، ومنهم من يفضل أسلوب الشرح من الأستاذ ومنهم من يفضل أسلوب المناقشة والاستنتاج أو أسلوب التجريب العملي... ونحو ذلك.
3.عدم التحلي بالصبر. من أهم صفات الأستاذ الصبر. فالتعلم يحتاج إلى وقت حتى يحدث وتظهر آثاره. وافتراض أن كل التلاميذ يجب أن يتعلموا بنفس المستوى والوثيرة بمجرد انتهاء الدرس أمر غير واقعي. بل لابد من التكرار وتنويع أساليب التعليم والمراجعة. ومع ذلك توقع اختلاف مستويات التعلم.
4.الركون إلى أسلوب واحد في التدريس، وعدم التجديد والإبداع. وهذا يجعل الفصل يسير بطريقة رتيبه، ويساهم في ملل التلاميذ ونفورهم من الدرس، وقد يعيق تعلم بعضهم، وهو أيضا يساهم في خفض مستوى الدافيعة للمشاركة. وكل ذلك يجعل الأستاذ يرى عملية التعليم مملة أو ميتة.
أسباب تتعلق بالمدرسة
1.وجود مشاكل داخل المدرسة بين الأستاذ وزملائه أو الأستاذ ومدير المدرسة أو الأستاذ والمفتش التربوي أو الأستاذ وولي تلميذ ...
2.عدم توفير الجو المدرسي الأخوي وأنشطة الحياة المدرسية التي تحث وتحفز الأستاذ وتدفعه للمشاركة، مما يتيح له فتح قنوات تواصلية لمناقشة مشاكلة في الفصل أو في المدرسة.
3. عدم وجود البيئة المدرسية التي تساعد الأستاذ على حل مشاكله. ومن ذلك عدم اهتمام مدير المؤسسة أو المفتش التربوي بهذا الجانب والتنبه له ولأعراضه.
4. عدم طرح المواضيع التي تتعلق بالجانب النفسي للأستاذ في المدرسة وجانب العلاقة بينه وبين عناصر المؤسسة الأخرى، في اللقاءات التربوية على مستوى المدرسة أو على مستويات أعلى.
5. الضغط في عبء الدروس اليومي على الأستاذ.
6. عدم توفر متطلبات إنجاح الدرس وتفعيله، مثل الوسائل والموارد والقاعات والأجهزة ونحو ذلك.
..ز
هذه بعض الأسباب العامة على سبيل المثال لا الحصر وقد يوجد في كل مدرسة أسباب خاصة أخرى، على مدير المؤسسة والمفتش التربوي ملاحظتها.
العلاج
من المنطقي في العلاج تتبع الأسباب ومحاولة القضاء عليها. إلا أنه ينبغي التنبه إلى أن الأسباب التي تتعلق بالتلاميذ ينبغي أن لا نحمل التلميذ فيها المسؤولية كاملة. فالتلميذ هو محور العلمية التعليمية، وينبغي أن نقبله كما هو. ومن واجب الأستاذ والمؤسسة تقبله وتعديل سلوكه غير المرغوب فيه. وفيما يلي بعض الخطوات العملية للعلاج:
1. رفع الروح المعنوية للأساتذة بشكل عام، وإشعارهم دائما بقيمة ما يبذلونه من جهد. وهذه الخطوة يقوم بها مدير المؤسسة والمفتش التربوي. وتذكيرهم دائما بأنهم بعملهم هذا يقومون بخدمة عظيمة لوطنهم ولأمتهم وأنهم ـ إذا أحسنوا النية ـ ففي عملهم عبادة يثابون عليها.
2. توعية الأساتذة وتذكيرهم بالقواعد الأساسية في التعلم، والتعامل مع التلاميذ، وبيان أهمية الصبر في هذا كله. وضرورة الابتعاد عن النظرة المثالية للتلاميذ.
3. تحسس حاجات الأساتذة النفسية، ومراعاة الجوانب الإنسانية في التعامل معهم، وإشعارهم بالدعم في المواقف الحرجة.
4. السعي للإبداع والابتكار في جو الحياة المدرسية، والبعد عن الرتابة، مع مراعاة قواعد عملية التغيير وأساليبه وما يصاحبها من ردود أفعال أو إحجام أو عداء أحيانا. فعدم الانتباه إلى هذه القواعد قد يولد ضغوطا نفسية ايضا.
5. السعي لتنمية الأساتذة وتطوير أدائهم وإكسابهم وسائل وطرق تدريس وتواصل وتنشيط جديدة، بالمشاركة في التكوينات التربوية، خاصة ما يتعلق منها بجانب تحسين وتجويد الممارسة الصفية عبر تملك أساليب وطرق التدريس الحديثة والنشيطة.
...
إرسال تعليق