دراسة حالة تربوية : ضعف مشاركة التلاميذ في بناء الدرس
بقلم : ذ عبد الله ولد الحاج
تمهيد:
يعتبر الدرس من أهم المرتكزات الأساسية التي يعتمدها المدرسون والمدرسات في إنجاز المقررات الدراسية و تصريف المضامين والمحتويات التعليمية، وفي إرساء علاقة بيداغوجية إيجابية بين أقطاب العملية التعليمية- التعلمية داخل الفصل الدراسي. ولم يعد بناء الدرس وقفًا على المعلم دون المتعلم، إذ بات شراكة بين الاثنين، وبناء متناميا للمعارف والمهارات والقدارت يشارك فيه المتعلم بقسط وافر من الأفكار والآراء و المعلومات... وكلما اقتصر تقديم الدرس على المدرس وحده دون مشاركة التلاميذ، كلما كان مدعاة للملل، وعرضة للفشل، وأقرب إلى الإخفاق منه إلى النجاح.
ترى، ما الذي يحول بين التلاميذ ومشاركتهم في بناء الدرس؟ ذلك ما سنقاربه من خلال دراسة حالة تربوية تواصلية تتمثل في ضعف مشاركة تلميذات وتلاميذ المستوى السادس بمدرسة أيت مسعود ، من أجل الوقوف على أسبابها واقتراح الحلول المناسبة لها، وذلك وفقًا للمراحل والخطوات المنهجية التالية:
1- تشخيص الحالة
2- جمع المعطيات حول الحالة
3- تحليل الحالة
4- النتائج ( الحلول والعلاج )
أولا: التشخيص
أ- الأهمية والأهداف:تأتي دراسة الحالة المشار إليها أعلاه في إطار مشروع تربوي يروم إيجاد حل ملائم لظاهرة عزوف التلاميذ عن المشاركة في بناء الدرس، حيث باتت هذه المشكلة تمثل أهم عائق أمام التلاميذ يقف حائلا دون تقدمهم، وقد يكون سببًا في فشلهم الدراسي. وتروم هذه الدراسة تحقيق الأهداف التالية:
- اقتراح خطة لعلاج ظاهرة العزوف عن المشاركة لدى التلاميذ
- تحسين مستوى مشاركة التلاميذ في بناء الدرس
- تفعيل آليات التواصل الفعال بين المدرس والتلاميذ
ب- دوافع اختيار الموضوع:
ونظرا لكون الصعوبة التي يواجهها هؤلاء المتعلمون أثناء المشاركة في بناء الدرس، والتي تحول دونهم و القدرة على بناء التعلمات واكتساب المعارف والمهارات والمواقف والكفايات، وخصوصا ما يتعلق منها بالجانب اللغوي والتواصلي، و ما يستتبع ذلك من تأثيرات سلبية تحد من فعالية المدرس من جهة، و انخراط المتعلمين من جهة أخرى، فإن الرغبة في فهم معمق لهذه المشكلة، و البحث عن الحل المناسب لها كان هو الدافع الأساسي لاختيار موضوع الدراسة.
ج- إشكالية الدراسة:
يعاني تلاميذ المستوى السادس ابتدائي بمدرسة أيت مسعود (إقليم الحسيمة) من ضعف المشاركة في بناء الدرس أثناء الحصص الدراسية، ما أثر سلبًا على نتائجهم الدراسية، وحال دون تقدمهم في اكتساب التعلمات، وجعل العلاقة التواصلية الصفية بينهم وبين مدرسهم متسمة بكثير من الجمود، حيث أضحى الدرس بالنسبة لهم عبارة عن عملية رتيبة وروتينية، تأخذ في جل الأحيان مسارا واحدا على شكل محاضرة أو خطاب يتم إرساله من قبل الأستاذ ليستقبله المتعلم دون أي تفاعل من هذا الأخير أو مشاركة في إغنائه بأفكاره واقتراحاته، حيث يلاحظ أن التلاميذ موضوع الحالة غالبًا ما يلوذون بالصمت إزاء الأسئلة التي يطرحها الأستاذ، ولا يبادرون بالمشاركة ولا يتفاعلون مع أحداث الدرس ومجرياته، يعيشون حالة من الشرود الذهني غير عابئين بما يدور من حولهم. الأمر الذي أثر على نتائجهم الدراسية بشكل كبير، ودفعهم إلى الاستسلام للفشل.
د- أسئلة الدراسة:
- ما أسباب ضعف المشاركة لدى هؤلاء التلاميذ؟
- كيف يمكن علاجه؟
د- أسئلة الدراسة:
- ما أسباب ضعف المشاركة لدى هؤلاء التلاميذ؟
- كيف يمكن علاجه؟
ثانيًا: جمع المعطيات
أ- دراسة الوسط:
ينحدر التلاميذ المعنيون بالدراسة من وسط قروي، يعرف نسبة مرتفعة من الأمية، ومن أسر فقيرة و متعددة الأفراد، وغير متواصلة مع المدرسة.
ب- الملاحظة المباشرة:
من خلال تجربة الأستاذ، وملاحظته لسلوكات التلاميذ، يبدو أن التلاميذ يعانون مما يلي:
- ضعف الاستجابة للأسئلة المطروحة من قبل الأستاذ،
- ضعف التحفز لأخذ الكلمة والمشاركة في النقاش،
- ضعف الانتباه واليقظة، وسيادة الفتور والشرود الذهني،
- ضعف القدرة على استرجاع بعض المعلومات،
- ضعف القدرة على استيعاب وفهم الأوامر البيداغوجية،
- ضعف القدرة على صياغة أجوبة مناسبة للأسئلة مهما كانت بسيطة،
- ضعف التعبير عن الرأي والتواصل مع الزملاء بلغة سليمة،
- ضعف عام في مستوى التحصيل الدراسي،
ج- إفادة الأساتذة:
أفاد بعض المدرسين بالملاحظات التالية:
- ملاحظة فتور كبير في مشاركة التلاميذ
- تدني عام في مستوى التحصيل الدراسي
- ضعف المكتسبات في مادة التعبير والتواصل الشفوي
د – السجلات المدرسية:
من خلال استقراء محتوى السجلات المدرسية، يلاحظ أن الحالة:
- لا تعاني من أي مشكلات صحية أو إعاقات جسدية أو ذهنية،
- تعاني من صعوبات على مستوى فهم المواد الدراسية و خاصة مادة التعبير الشفوي،
- لا تشارك في أي أنشطة موازية (مسرحيات، مسابقات ثقافية، ... )
- تعاني من التكرار، ولا تستفيد من الدعم التربوي المناسب،
ثـالثـًا: تحليل الحالة
1- الأسباب:من خلال البيانات والمعلومات السابقة، نخلص إلى أن أسباب المشكلة المطروحة، قد تعود إلى ما يلي:
أ- الأسباب الذاتية:
- تدني الرغبة في المشاركة، - عدم بذل الجهد والمثابرة
- عدم الإحساس بالمسؤولية في بناء الدرس،
الأسباب الموضوعية:
- صعوبة المواد الدراسية،
- تراكم التعثرات والصعوبات وعدم التصدي لها بالعلاج المناسب في الوقت المناسب،
- صعوبة فهم التعليمات والأسئلة،
- غياب التنويع في طرائق التدريس،
- غياب التشويق والتحفيز،
- طريقة التدريس المتبعة لا تحفز التلاميذ على المشاركة،
- ضعف التواصل بين الأسرة والمدرسة وغياب دور الأسرة في المتابعة،
2- اتخاذ القرار:
بعد الوقوف على الأسباب الذاتية والموضوعية للمشكلة المدروسة، يقترح الباحث القرارات التالية:
- صعوبة المواد الدراسية،
- تراكم التعثرات والصعوبات وعدم التصدي لها بالعلاج المناسب في الوقت المناسب،
- صعوبة فهم التعليمات والأسئلة،
- غياب التنويع في طرائق التدريس،
- غياب التشويق والتحفيز،
- طريقة التدريس المتبعة لا تحفز التلاميذ على المشاركة،
- ضعف التواصل بين الأسرة والمدرسة وغياب دور الأسرة في المتابعة،
2- اتخاذ القرار:
بعد الوقوف على الأسباب الذاتية والموضوعية للمشكلة المدروسة، يقترح الباحث القرارات التالية:
أ - تكييف المحتويات المعرفية للدروس لتتناسب مع مستوى القدرات العقلية والنمائية للتلاميذ،
ب- تنويع طرائق التدريس،
ج- إجراء دعم تربوي لتقوية الكفاية اللغوية والتواصلية.
د- توظيف وسائل تكنولوجيا الإعلام والتواصل،
3- تصميم أجرأة القرارات المتخذة:
- تتم أجرأة القرارات المتخذة على الشكل التالي:
القرار
|
العمليات
والأنشطة
|
الأهداف
والنتائج المنتظرة
|
الوسائل
الموظفة
|
تكييف المضامين والمحتويات المعرفية
|
- تحليل المحتويات
- تبسيط
المحتويات
- ربط
المحتويات بواقع التلاميذ
- تنويع
الأنشطة
|
- تيسير
الفهم والاستيعاب
- توفير
الفرص لاختيار الأنشطة المناسبة
|
- طريقة
تحليل المضمون
|
تنويع طرائق التدريس
|
- أنشطة حل المشكلات
- أنشطة العصف الذهني
- أنشطة
بناء الثقة
|
- تنمية روح المبادرة وتحمل المسؤولية
- خلق الثقة بالنفس
-
إثارة الدافعية وتحريك الرغبة في التعلم الذاتي
|
- طريقة حل المشكلات
- جلسات العصف الذهني
- بيداغوجيا التعاقد
|
الدعم التربوي
|
- أنشطة لدعم الكفاية اللغوية
- أنشطة
لدعم الكفاية التواصلية
|
- تحسين مستوى مشاركة التلاميذ
- تحسين مستوى التحصيل
|
- توظيف تكنولوجيا الإعلام والتواصل
|
رابعًـا: النتائج
1- الحل:
بعد تبني القرارات المشار إليها أعلاه، ينتظر أن يتحسن مستوى مشاركة التلاميذ في بناء الدرس بحيث ترتفع نسبة الانخراط في الأنشطة، و ستتعزز القدرة على الكلام لدى الفئة المستهدفة، وينخفض هاجس الخوف من الفشل. وبالتالي يتحسن المستوى العام للتحصيل الدراسي.
2- التوصيات :
توصي الدراسة بما يلي:
- إثارة الدافعية لدى المتعلم، لزيادة التشويق للمادة، والتفاعل بين المدرس وتلاميذه،
- تبسيط المادة العلمية وتذليل صعوباتها، وتكييف المضامين المعرفية،
- تعزيز ثقة المتعلم في قدراته الذاتية وتحفيزه على المشاركة،
- إضفاء الحيوية على الدرس باستعمال تكنولوجيا الإعلام والتواصل،
- التنويع في طرائق التدريس والتنشيط، وتوظيف البيداغوحيات الوظيفية الملائمة،
- زيادة تنمية العلاقة البيداغوجية بين التلاميذ ومعلميهم،
- العمل على تقوية المكتسبات اللغوية والتواصلية عبر تكثيف إجراءات الدعم التربوي،
- تعزيز التواصل بين المدرسة والأسرة وتقوية دور هذه الأخيرة في المتابعة،
خاتمة:
تعتبر مشاركة التلاميذ في بناء الدرس من أهم العناصر التي تساهم في تحقيق النجاح المنشود سواء للتلميذ، أو للمدرس، أو للعملية التعليمية-التعلمية برمتها. لذلك بات من الضروري إيلاؤها العناية اللازمة من أجل تجاوز العراقيل التي تعترضها، وإيجاد الحلول الملائمة للمشكلات المرتبطة بها. وحسبنا أن تكون هذه الدراسة جزءا من الحلول الممكنة، على أمل أن تتضافر جهود الفاعلين التربويين، والدراسين الأكاديميين، وعموم الباحثين، لتعميق البحث والتنقيب في هذه الظاهرة التربوية واقتراح الحلول المناسبة لها.
تابعنا على مواقع التواصل الإجتماعي