تعليم بريس :
استثمار نتائج المراقبة المستمرة "بعض المبادئ الموجهة"
بقلم هشام البوجدراوي
يعتبر التقويم من العمليات الأساسية التي تقوم عليها العملية التعليمية. فهو أداة تساعد على قياس درجة التحكم في الكفايات، كما تساهم في مقارنة التلاميذ بعضهم ببعض وفي رصد جوانب القوة والضعف لديهم قصد اتخاذ القرارات المناسبة التي تهم الرفع من المردودية وتحقيق النجاعة.
ولما كانت نتائج عملية التقويم غاية في الأهمية بالنسبة للنظام التربوي وللأسر والمجتمع، وحتى لا يتم اختزال أغراض التقويم في البعد الجزائي، كان لفترة ما بعد نهاية الأسدوس الأول أهمية كبرى، إذ خلالها يتم تتبع نتائج التلاميذ وتحليلها واستثمار المعطيات المتعلقة بها قصد اتخاذ الإجراءات التصحيحية الضرورية؛ من تنظيم حصص دعم التعلمات، مراجعة أساليب التدريس وطرائقه وتقييم مدى ملاءمة مقاطع البرنامج الدراسي لمستوى التلاميذ.
ونظرا للأبعاد العميقة التي تكتسيها نقط المراقبة المستمرة في الثقافة التربوية، إذ تشكل أساسا مهما للكثير من الإجراءات والقرارات التعليمية، وحتى يحقق التقويم أغراضه على المستوى المحلي، تأتي هذه الورقة لنساهم من خلالها في اقتراح مراحل تدبير عمليات استثمار نتائج المراقبة المستمرة.
إن عملية تحليل وتفسير نتائج عمليات التقويم تستوجب الوصف الدقيق للمعطيات الكمية. فالملاحظات الواصفة قد تؤدي إلى تفسيرات خاطئة إن لم يتم صياغتها بشكل دقيق. لذلك فإن الخوض في استثمار نتائج المراقبة المستمرة ووصف معطياتها يستلزم في مرحلة أولى القيام بمعالجة إحصائية لمعدلات التلاميذ. هذه المعالجة تتطلب استخدام برانم معلوماتية تساعد في تهييء المؤشرات الإحصائية، كتحديد نسبة الحاصلين على المعدل وحساب أعلى معدل وأدناه، ثم المعدل الملاحظ والانحراف الطرازي والوسيط وتحديد مجالات المعدلات ونسب تمركز النقط بها، وتحديد المواد التي تعرف نسبا عالية من التلاميذ المتحكمين أو غير المتحكمين بالموارد و الكفايات.
وفي مرحلة ثانية، يتم تفريغ النتائج في جداول وإنتاج مبيانات تساعد على عمليات جمع وتصنيف ومقارنة وتحليل وتأويل المؤشرات الإحصائية المرتبطة بنتائج التلاميذ. وتجدر الإشارة إلى أن عملية تصنيف وبناء خريطة المعطيات، يجب أن تخضع في هندستها لمجموعة من الخطوات؛ تبتدئ بتجميع وتصنيف معطيات الشعب ثم المسالك فالأقسام. فالغاية من تحديد هذه المؤشرات هي الوقوف على درجة تملك التلاميذ للكفايات ومقارنة نتائجهم الحالية بسابقتها من السنوات الماضية، أو مقارنتها بنتائج الشعب الأخرى بنفس المؤسسة أو بمؤسسات أخرى لتحديد منحى تطور أو انحدار النتائج. كما تستعمل هذه المؤشرات في تتبع أثر عمليات إعادة التوجيه والحكم على مدى توافق جانبية التلاميذ مع متطلبات الشعب المختارة، كما تهتم أيضا بتقييم قدرة التلاميذ على الاندماج بالمسالك الجديدة كالمسالك الدولية للباكالوريا المغربية و الباكالوريا المهنية. لذلك يستحسن أن تتضمن التصنيفات معطيات خاصة بالشعب والأقسام والمواد، هذه الأخيرة تتمثل في المعدل الملاحظ، الوسيط، مجالات تمركز المعدلات، مؤشرات التشتت ، وأعلى معدل وأدناه.
وأما المرحلة الثالثة ، فتتمثل في وصف المعطيات الإحصائية بجمل بسيطة ودالة أو باستخدام جداول تحتوي على مؤشرات واصفة. وتتجه جل الملاحظات نحو تحديد الشعب و الأقسام التي تعرف ارتفاعا أو انخفاضا في نسب الحاصلين على المعدل، ورصد المواد التي تعرف ارتفاعا في نسب غير المتحكمين أو التي تعرف ارتفاعا مبالغا فيه في نسب المتحكمين كما يتم تحديد المجالات التي تعرف ارتفاعا في نسب تمركز المعدلات ورصد التشتتات غير العادية.
ومن بين الملاحظات التي تتردد في تقارير مجالس أقسام المؤسسات التعليمية، نجد على سبيل المثال:
- ارتفاع نسبة الحاصلين على المعدل بالنسبة لتلاميذ الجدوع المشتركة وانخفاضها بالنسبة للأوليات؛
- ارتفاع واضح وملفت للانتباه لنسب التلاميذ المتحكمين في مواد اللغة العربية والانجليزية والاجتماعيات بالنسبة لجميع الشعب أو بالنسبة لشعبة الآداب والعلوم الإنسانية أو بالنسبة لقسم الثانية علوم فزيائية 1؛
- ارتفاع نسب المتحكمين بمواد معينة دون أخرى؛
- تشتت غير عادي لنقط المراقبة المستمرة بجل المواد أو ببعضها ؛
- ضعف مستوى متمدرسي المستويات الثلاث بمادة الرياضيات وعدم تمكن أغلبهم من امتلاك الكفايات الخاصة بالمادة ؛
- تعثر واضح لتلاميذ الثانية علوم فيزيائية في مادة الفيزياء والكيمياء، وقد سجلت أعلى نسب التعثر لدى متمدرسي القسم الثانية علوم فيزيائية 1 حيث بلغت النسبة 62%.
- ضعف مستوى التلاميذ في اللغات الأجنبية و خصوصا اللغة الفرنسية؛
- معدلات مادة اللغة العربية في بعض الأقسام متقاربة جدا مما يفقدها القدرة على التمييز بين التلاميذ
- عدم تحكم مجموعة مهمة من تلاميذ القسم الواحد من كفايات مواد متعددة تصل في أحيان كثيرة إلى خمس مواد؛
إن عملية استثمار نقط المراقبة المستمرة لا تقف عند حد وصف المعطيات الإحصائية، بل تتعداه إلى اقتراح تفسيرات وتأويلات لنتائج التلاميذ. وتكتسي هذه المرحلة أهمية كبرى لارتباط نتائجها بإصدار الأحكام التربوية واتخاذ القرارات العلاجية. وهي تعتبر من أصعب فترات عمليات الاستثمار فهي تتطلب الإلمام بدلالات المؤشرات الإحصائية والقدرة على استعمالها وتحويلها إلى مؤشرات نوعية دالة. ومن أهم الأساليب الإحصائية المستعملة نجد مؤشرات النزعة المركزية ومن مقاييسها (المعدل الحسابي – الوسيط – و المنوال) والمعايير المئينية وتضم الانحراف المعياري كأفضل مقياس.
المعدل الحسابي أو "المعدل الملاحظ" ، وهو معدل نقط تلاميذ قسم ما، وله دلالة إحصائية تتمثل في التالي:
" كلما ارتفعت قيمة المعدل الحسابي دل ذلك على أداء أفضل بشرط أن لا تكون هناك قيم متطرفة عالية أدت إلى ارتفاعه"
"كلما كانت العلامات موزعة على جانبي المعدل الحسابي بشكل متماثل ومتساوي كان المعدل معتدلا وكاشفا عن الفروق بين التلاميذ بصورة أفضل"
الوسيط وهو القيمة التي تقسم البيانات إلى جزئيين متساويين أي أن 50% من القيم أقل منه و 50% من القيم أكبر منه. وتستعمل كمعطى تكميلي للمعدل الملاحظ لبيان درجة تشتت أو تمركز عينة من معدلات التلاميذ.
المنوال وهو القيمة الأكثر تكرار أو شيوعا. وله نفس الدلالة الإحصائية للوسيط.
الانحراف المعياري أو(الانحراف الطرازي): يشير هذا المقياس إلى مدى تجمع القيم حول المعدل الحسابي. ويستعمل في تحديد مدى تقارب أو تباعد المعدلات مع بعضها البعض، فإذا كانت المعدلات متجانسة ومتقاربة من بعضها البعض حول المعدل الحسابي، فهذا يعني أنّها غير مُشتّتة، أما إذا كانت متفرقة ومتباعدة فهذا يعني أنها مشتتة.
وتعد مؤشرات النزعة المركزية و معيار الانحراف الطرازي من الأساليب الإحصائية الوصفية الأكثر استعمالا في استثمار النتائج. إذ تعتمد العلاقة بين المعدل الحسابي والوسيط والمنوال والانحراف الطرازي لتحليل وتأويل نتائج المراقبة المستمرة. فتأويل المعطيات الإحصائية الخاصة بقسم معين يستلزم النظر في معدلات المواد الخاصة به. فارتفاع أو انخفاض نسب الحاصلين على المعدل يمكن أن يعتبر كنتائج غير عادية إذا ما اقترنت بارتفاع أو انخفاض قيم المعدلات الملاحظة الخاصة بالمواد وبارتفاع أو انخفاض قيم الوسيطات والمنوال أو بقيم متطرفة لنسب الانحراف الطرازي مما يدل على أن تمركز أو تشتت قيم المعدلات غير عادي.
إن الملاحظات التي تثيرها المؤشرات المرتبطة بضعف مستوى التلاميذ أو بالارتفاع المبالغ فيه في نسب الحاصلين على المعدل، كالتشتت غير العادي لمعدلات المواد أو تمركز جلها بمجال معين، تبررها عدة افتراضات من قبيل:
- ظروف وعمليات التقويم غير الملائمة ومدى احترام الأساتذة للأطر المرجعية المنظمة للمراقبة المستمرة: كسهولة أو صعوبة الفروض المحروسة، أو غموض الأسئلة، أو التساهل مع التلاميذ أثناء تمرير الفروض، وربما افتقار عملية التصحيح إلى الموضوعية ؛
- عدم نجاعة عمليات الدعم التي تمخضت عن نتائج تقويم المستلزمات؛
- عدم احترام المعايير المعتمدة في اتخاذ قرارات عمليات التوجيه وإعادة التوجيه؛
- عدم تحكم الأساتذة في العمليات المرتبطة بتمرير تقويم المستلزمات وباستثمار نتائجه؛
- عدم تحكم الأساتذة في الطرق الناجعة لتمرير المنهاج الدراسي وجعله أكثر حافزية للتلاميذ على اكتساب المعرفة.
إن نتائج المعالجة الإحصائية لمعدلات المراقبة المستمرة بمؤشرات النزعة المركزية وبمعيار الانحراف الطرازي، رغم أهميتها، تبقى معطيات موجهة نحو افتراضات متعددة تحتاج لمزيد من التدقيق. فالنظر في أداة المراقبة المستمرة وظروف عمليات التقويم وتحليلها والاقتراب أكثر من ظروف تمرير المنهاج الدراسي، يعتبر السبيل الأنجع لتحقيق الدقة والموضوعية في استثمار النتائج واتخاذ القرارات الملائمة. لذلك فإنجاح مداولات مجالس الأقسام وتصويب قراراتها يحتاج إلى دعمها ، من خلال مساهمة أطراف متعددة، بمعطيات إضافية : كتقارير الأساتذة حول نتائج تقويم المستلزمات والإجراءات المتخذة في شأنها، تقارير حول فروض المراقبة المستمرة ودرجة صعوبتها أو سهولتها، تقارير الأطر الإدارية حول منحى تطور نتائج التلاميذ خلال الفترات التقويمية للأسدوس الأول وحول أثر عمليات إرجاع المفصولين والمنقطعين عن الدراسة وعملية استشارة الأسر بخصوص الانتقال إلى السنة الختامية من سلك الباكالوريا، وتقارير المستشارين في التوجيه حول أثر عمليات التوجيه وإعادة التوجيه وتتبع نتائج التلاميذ المستفيدين منها.
وتعتبر مرحلة صياغة التوصيات، باعتبارها آخر إجراءات استثمار النتائج، من أهم المراحل، إذ خلالها يتم تدارس مختلف النتائج التي تم التوصل إليها خلال اجتماعات مجالس الأقسام، قصد الخروج بقرارات تهتم بمعالجة تعثرات التلاميذ وتوفير الظروف الملائمة لعمليات التدريس والرفع من نسب النجاح. ولكي تحقق التوصيات غاياتها يجب أن يتوفر فيها الشروط التالية:
- أن تهدف إلى دعم التعلمات وتجاوز التعثرات كما يمكن أن تهتم بتقييم مكونات المنهاج الدراسي من إعادة النظر في طرق وأساليب التدريس وفي المعينات الديداكتيكية المعتمدة والتدقيق في المقاطع التعليمية؛
- أن تهتم بتعزيز قدرات الأطر التربوية على إنتاج اختبارات تحصيلية تستجيب للمعايير المحددة بالمذكرات الوزارية؛
- أن تنبني على دراسة تحليلية لمعطيات إحصائية واقعية ومضبوطة؛
- أن تنبثق عن مداولات مجالس الأقسام لضمان الانخراط في تفعيلها؛
- أن تكون واقعية، إجرائية قابلة للتحقيق بحيث يراعى في صياغتها الظروف الزمانية والمكانية والتنظيمية الخاصة بالمؤسسة: من عدد ساعات العمل الأسبوعية الخاصة بكل أستاذ، عدد القاعات الممكن استغلالها، درجة استعداد الأساتذة وحافزيتهم للعمل، الشركاء المحتمل انخراطهم في تفعيل البرامج المقترحة، الموارد المتوفرة بالمؤسسة، المذكرات المنظمة لمختلف العمليات؛
- أن تكون التدابير والتوصيات المرتبطة بالتلاميذ محفزة ومشجعة على دعم وتعزيز التعلمات بحيث تبتعد عن الممارسات الصفية الاعتيادية وتتجه نحو خلق نماذج جديدة للدعم تستغل فيها وسائل التواصل الاجتماعي وأنشطة الحياة المدرسية، ومكتبة المؤسسة، والنوادي التربوية كوسائط تستغل في تفعيل حصص الدعم المندمج والمؤسساتي.
ومن أجل أن يكون لعمليات استثمار نتائج المراقبة المستمرة تأثير واضح ومباشر على اتخاذ القرارات التربوية على المستوى المؤسسات التعليمية، لابد من أن يساهم المتدخلون في العملية التعليمية التعلمية ،كل من موقعه، في تحديد استراتيجية تقويمية واضحة ترتكز على توفير معطيات دقيقة وموثوقة حول ظروف وعمليات التقويم وأن يسهر الجميع وخصوصا الأطر الإدارية والتربوية على إنجاح مداولات مجالس الأقسام حتى لا تبقى قراراتها حبيسة الرفوف.
بقلم هشام البوجدراوي
0 تعليقات