تعليم بريس :
أكد رشيد شاكري، مفتش تربوي بالمديرية الإقليمية بفاس عضو فريق الخبرة الوطنية لمشروع تدريس القراءة وفق الطريقة المقطعية، في الحوار مع جريدة هسبريس، على أن تعلم اللغات هو أولوية ملحة”.
وشدد شاكري على أن تعلم القراءة تعد من أولى الأولويات؛ لأنها من التعلمات الأساس ومفتاح نجاح المتعلمين والمتعلمات”، مضيفا أن التكوين الرصين والصحيح للأساتذة يعتبر من أكبر التحديات؛ لأن عدم استيعابهم للتدريس بالطريقة المقطعية سينفرهم منها”.
ذ. رشيد شاكري: الطريقة المقطعية في تدريس القراءة طريقة تسعى إلى تنمية الوعي الصوتي لدى المتعلمات والمتعلمين
أكد رشيد شاكري، مفتش تربوي بالمديرية الإقليمية بفاس عضو فريق الخبرة الوطنية لمشروع تدريس القراءة وفق الطريقة المقطعية، في الحوار مع جريدة هسبريس، على أن تعلم اللغات هو أولوية ملحة”.
وشدد شاكري على أن تعلم القراءة تعد من أولى الأولويات؛ لأنها من التعلمات الأساس ومفتاح نجاح المتعلمين والمتعلمات”، مضيفا أن التكوين الرصين والصحيح للأساتذة يعتبر من أكبر التحديات؛ لأن عدم استيعابهم للتدريس بالطريقة المقطعية سينفرهم منها”.
في نظركم، ما الدوافع التي جعلت من القراءة أولوية في الإصلاح البيداغوجي الحالي لوزارة التربية الوطنية؟
إن الانكباب على دراسة هذا الموضوع نابع من حاجة علمية وواقعية، أملاها تشخيص واقع التعليم والتعلم بالمدرسة المغربية، حيث تواجه منظومتنا التعليمية اختلالات متعددة على المستوى البيداغوجي، وعلى مستوى جودة التعلمات؛ فأغلب المتعلمين والمتعلمات يعاني ضعفا واضحا في مسارات امتلاك الكفاية اللغوية، وفي امتلاك مهارات اللغة العربية واللغات الأجنبية على حد سواء. ومن تجليات ذلك عدم قدرة التلاميذ على فهم النصوص المقروءة واستيعاب مضامينها.
لقد أكدت معطيات مختلف الدراسات التقويمية، الوطنية منها والدولية، التي أنجزت في السنوات الأخيرة (PNEA,1998) و(2011(PIRLS, و(EGRA, 2014) ، أن غالبية المتعلمين في السلك الابتدائي غير متمكنين من المهارات القرائية.
وعلى الرغم من الأهمية التي تحظى بها أنشطة الدرس اللغوي في السلك الابتدائي، فإن كفايات المتعلمين اللغوية لا تزال جد متواضعة؛ وهو ما يؤثر على مسارهم الدراسي في المستويات اللاحقة. كما أن غالبية المتعلمين تعاني من صعوبات في التعبير والإنشاء على المستوى المعرفي والمنهجي واللغوي، نتيجة للعجز المتراكم في مجال القدرات القرائية وضعف تحصيل الموارد اللغوية.
كل هذه المعطيات تجعل من تعلم اللغات أولوية ملحة، وتعلم القراءة من أولى الأولويات؛ لأنها تعد من التعلمات الأساس ومفتاح نجاح المتعلمين والمتعلمات.
بصفتكم عضوا في فريق الخبرة الوطنية الذي أطر مشروع “القراءة من أجل النجاح” علميا وتربويا، ما الأسس التي انبنى عليه هذا المشروع؟
قبل الإجابة عن سؤالكم، أؤكد فقط أن مشروع القراءة انطلق مع الندوة العلمية التي نظمتها مديرية المناهج بوزارة التربية الوطنية وبشراكة مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية حول المقاربات الجديدة لتدريس القراءة العربية، طيلة أيام 19-20-21 نونبر 2014 بالرباط؛ فقد شكّل هذا اللقاء فرصة سانحة لاكتشاف آخر المستجدات في علم/ فن تدريس القراءة، من خلال الاحتكاك بخبراء دوليين في المجال والاستئناس بتجارب عملية ودراسات ميدانية تتصدى للضعف القرائي بالتعليم الابتدائي، كما استقبلنا وفدا مصريا لتقريبنا من تجربتهم في تطبيق هذه المنهجية الجديدة، كما قام فريق من المفتشين التربويين بزيارة مصر للوقوف على التجربة ميدانيا والاستفادة من إيجابياتها.
وأشير في هذا الصدد إلى أن خبراء دوليين أسهموا في تأطير مشروع “القراءة من أجل النجاح” رفقة فريق الخبرة الوطنية الذي تولى مهمة التأطير العلمي والديدكتيكي والمؤلف من ثلاثة أعضاء من مختبر العلوم المعرفية، فبالإضافة إلى عضويتي في هذا الفريق، هناك د. مصطفى بوعناني أستاذ اللسانيات المعرفية، ود. أستاذ بنعيسى زغبوش أستاذ علم النفس المعرفي.
والفضل في الاستعانة بالخبرة الوطنية يعود إلى د. فؤاد شفيقي مدير المناهج بوزارة التربية الوطنية، الذي آمن بالكفاءة الوطنية وألح على أن تكون خلاصات الدراسات العلمية والتجارب الدولية نبراس أي مشروع بيداغوجي، مع ضرورة تكييفها مع الخصوصية المغربية.
وفي هذا السياق، أستحضر بعض النتائج التي توصل إليها الباحثون فيما يخص تعلم القراءة، ومنها أن ترسيخ اللغة المنطوقة لدى المتعلمـ(ة) يساعده على تعلم أفضل للغة المكتوبة، كما أن الجهاز البصري ينقل الأشكال البصرية إلى الدماغ مجزأة إلى وحدات صغيرة، ليعمل هذا الأخير على تركيبها ثم التعرف عليها، الأمر الذي يدحض التصور الذي يرى بأن الدماغ يتعرف على الكلمات بطريقة شمولية.
والأهم في كل هذا هو ما توصلت الدراسات الحديثة في كون الضعف القرائي يعود بالأساس إلى عدم تملك مهارات الوعي الصوتي، فقد أرجع Billard وآخرون سبب خطأ الأطفال الإنجليز في قراءة 65 % من كلمات كتبهم المدرسية إلى الخصاص في المعالجة الفونولوجية.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية، لاحظ تقرير الهيئة الوطنية للقراءة سنة 2000 أن 70% من الأطفال المتمدرسين في القسم الرابع ابتدائي في وسط حضري يقرؤون تحت المتوسط المطلوب في اختبار وطني.
وخلص التقرير بعد دراسات عديدة إلى أن المشكل كامن في اعتماد الطريقة الشمولية، وأوصى بتبني التعلم المبني على تطوير الوعي الفونولوجي (الوعي الصوتي). وللتوسع أكثر في هذا المجال، أحيلكم على مقالات زميليَّ في فريق الخبرة الوطنية.
ما مواصفات مشروع القراءة الجديد الذي اشتغلتم عليه؟
اعتمدنا في هذا المشروع على الطريقة المقطعية في تدريس القراءة، وهي طريقة تسعى إلى تنمية الوعي الصوتي لدى المتعلمات والمتعلمين، وتمكنهم من تحسين قدرتهم على تهجئة الكلمات وقراءتها؛ وهي طريقة تعتمد بشكل أساس على الربط بين المنطوق والمكتوب من القطع الصوتية، ثم الربط بين مجموع القطع المكونة للكلمة الواحدة.
كما تبنينا المكونات الخمسة للقراءة وفق هذه الطريقة، وهي: الوعي الصوتي، أي الإدراك بأن الكلمة المنطوقة هي سلسلة من الوحدات الصوتية الصغيرة؛ والتطابق الصوتي الإملائي، وهي القدرة على ربط الصوت اللغوي بشكله الخطي، أي وضع تطابقات بين المنطوق والمكتوب؛ لطلاقة، أي القدرة على القراءة الدقيقة والصحيحة والسريعة والفاهمة، وتنمية المفردات لإثراء المعجم الذهني عند المتعلمة والمتعلم عبر معرفة كلمات جديدة، وأخيرا، الفهم القرائي الذي يهدف إلى تمكين المتعلمة والمتعلم من استراتيجيات استيعاب مضامين النصوص وفهمها.
هل هناك ما يميز النموذج المغربي لتدريس القراءة باعتماد الطريقة المقطعية عن باقي التجارب العربية؟
نعتز بأننا أنتجنا نموذجا ديدكتيكيا شارك في بنائه ثلة من المفتشين التربويين وأساتذة اللغة العربية بالمراكز الجهوية للتربية والتكوين، حاولنا من خلاله تدارك الهفوات العلمية والديدكتيكية التي ميزت بعض التجارب العربية، والحرص على التنزيل الديدكتيكي السليم للمعرفة اللسانية العربية، مراعين في ذلك الخصوصية المغربية.
وفي هذا الإطار، اشتغلنا وفق هذا النموذج على محورين متكاملين: المحور الصوتي ومحور تنمية الرصيد اللغوي (باعتماد الحكايات) في السنة الأولى ابتدائي، وطورناهما في السنة الثانية ابتدائي إلى المحور الصوتي الإملائي ومحور الفهم القرائي.
وأغتنم الفرصة لأخبركم أن فريق الخبرة الوطنية قام بدراسة علمية لإعادة ترتيب الحروف العربية ترتيبا ديدكتيكا وفق تدرج منطقي من الأيسر تعلما إلى الأصعب، ومن البسيط إلى المركب، معتمدين في ذلك على ثلاثة معايير كبرى تتجزأ بدورها إلى معايير فرعية: المعيار النطقي للجهاز المصوتي، والمعيار الحركي لليد، معيار الشكل البصري. وقد أفضت هذه المعايير، بعد إخضاعها للتحليلات الإحصائية الملائمة، إلى ترتيب جديد للحروف (الصوامت) العربية وفق قيم وأوزان حسابية مضبوطة، وهو كالآتي: د، م، ر، ب، س، ف، ل، ص، ذ، ز، ط، ض، ن، ع، ت، ظ، ح، ه، ء، ج، خ، غ، ك، ث، ق، ش، و، ي.
علمنا أن وزارة التربية الوطنية شرعت، بعد سنتين من تجريب هذا المشروع في ثماني مديريات إقليمية، في تعميمه في السنة الأولى ابتدائي.. في نظركم، ما التحديات التي ستواجه البرنامج الجديد عند التنزيل؟
في البداية، نؤكد نجاح التجربة في المؤسسات المعنية، ويمكن الوقوف على ذلك ميدانيا، والسبب يعود إلى الطبيعة التجديدية للمشروع وإلى تملكه من لدن المفتشين والأساتذة والإداريين، الذين نقدر فيهم انخراطهم التام وحرصهم على التفاعل الإيجابي مع هذا المستجد الديدكتيكي.
أما فيما يخص تحديات التعميم، فإن التكوين الرصين والصحيح للأساتذة يعد من أكبر التحديات؛ لأن عدم استيعابهم للتدريس بالطريقة المقطعية سينفرهم منها، ويمنعهم من تبنيها في ممارساتهم الصفية.
كما أن توفير العدة من كراسات ودلائل في الوقت المناسب يعد تحديا أكبر، خاصة بعد إسناد عملية طبعها للأكاديميات الجهوية. ولتمكين متعلمات ومتعلمي التعليم الخصوصي من هذه العدة، قامت كل أكاديمية جهوية بتوجيه المؤسسات الخصوصية التابعة لها لاقتناء الكراسات والدلائل من المطبعة نفسها التي تم التعاقد معها.
من الإشكالات التي ستواجه الأساتذة هذه السنة وجود كتب اللغة العربية المقررة في السنة الأولى إلى جانب الكراسات الخاصة بالطريقة المقطعية، وهو ما قد يؤدي بهم إلى الارتباك.
وللتخفيف من ذلك، ينبغي التذكير بأن الإصلاح همَّ فقط مكون القراءة دون غيره من مكونات اللغة العربية. لذا سيعتمد الأساتذة خلال هذه السنة على الكراسات الجديدة فيما يخص القراءة، في حين سيتم الاستعانة بالكتاب المدرسي المقرر لتدريس مكوني التعبير والكتابة، شريطة الحفاظ على الترتيب الجديد للحروف المعتمد في هذا المشروع.
وأؤكد، في هذا السياق، أن هذه السنة هي مجرد مرحلة انتقالية؛ لأنه سيتم دمج جميع مكونات اللغة العربية للسنة الأولى في منهاج واحد في الموسم المقبل.
التحدي الأكبر الذي يجب الاشتغال عليه لسنوات عديدة، وهو الممارسة الصفية التي تحتاج إلى تطوير أكبر، والمتمثل في تمكين الأساتذة من استراتيجيات جديدة لجعل العملية التعليمية التعلمية ممتعة للمتعلم والأستاذ على حد سواء، واعتبار بيداغوجيا اللعب مدخلا أساسيا للتعلم، بدل الإكراه والتلقين والسلبية، مع استثمار فوائد التكنولوجيات الحديثة.
إرسال تعليق