تعليم بريس :
قراءة في المذكرة 17/116حول العنف المدرسي
بقلم : محمد عمراوي (ثانوية أبي العباس السبتي/ مراكش)
عرف الحقل التربوي مؤخرا مجموعة من الممارسات المشينة التي تؤثر على طبيعة العلاقة التي تربط بين مختلف مكونات المدرسة المغربية، وهو ما حدا بوزارة التعليم لإصدار مذكرة رقم 17/116 حول هذه الظاهرة، وسأعمل على تشريح تفاصيلها من وجهة نظري بصفتي أستاذا في المدرسة المغربية.
سياق المذكرة:
لا يخفى على متتبعي الشأن التربوي المغربي عبر الإعلام، ما أصبح يواجهه التعليم المغربي من عنف مدرسي أصبح يستفحل من حين لأخر، وما حدث بمدينة ورزازات ليس سوى نتيجة لوضع معقد ساهمت فيه عوامل متعددة، لتأتي بعده حادثة الدار البيضاء التي تعرضت فيها أستاذة لعملية تشرميل من طرف أحد تلامذتها، وهو ما يفرض ضرورة البحث عن الأصول الحقيقية لهذا المشكل، مع العلم أن إلحاق عقوبات سالبة للحرية بالتلاميذ لم تكن حلا أبدا، بل ستزيد من استفحال الخارجين على القانون مستقبلا. المذكرة بإيجاز: شأنها شأن مختلف المذكرات السابقة، نصت المذكرة 17/116 على رفض العنف المدرسي كيفما كان مرتكبه، كما أكدت على أن العنف يمس بكرامة العاملين في التعليم وهو ما لا يمكن السكوت عنه حسب المذكرة، لتعتبر بالتالي النظر في العنف المدرسي أولوية تفرض الحزم والصرامة. هذا دون إغفال تأكيدها على البعد التشاركي في الحد من العنف المدرسي لكن دون أن تقدم حلولا واقعية لكيفية أجرأة هذه المقاربة التشاركية، وفي الأخير أكدت على ضرورة التحلي باليقضة والحزم، كما أوصت باتخاد تدابير من قبيل التوعية، وعقد لقاءات، ثم تفعيل أدوار الأندية التربوية والأنشطة المدرسية.
قراءة في المذكرة: هل من جديد؟
حاولت المذكرة المدرسية رقم 17/116 اللعب؛ من حيث الأسلوب الذي كتبت به؛ على امتصاص التوثر الذي أصبح يطبع المدرسة المغربية، وحاولت التخفيف أكثر من آثار العنف الذي أصبح واضحا لكل مكونات المجتمع المغربي كافة، فهي حريصة على الحديث عن كرامة المدرسين، وضرورة احترام هؤلاء، دون أن تقدم حلولا بديلة لذلك، فرفض العنف المدرسي كيفما كان مرتكبه ضرورة إنسانية قبل أن ترتبط بالحق المدرسي، لكن كيف السبيل إلى ذلك و مذكرة العقوبات البديلة ما زالت سارية المفعول؟
فإذا كان العنف المدرسي أولوية حسب المذكرة أعلاه وجب إعادة النظر في التصرفات التي تضرب في عمق مصداقية المدرسة المغربية من قبيل الحرب الإعلامية التي تشنها مختلف المنابر على هذه الفئة، ووجب رد الإعتبار للأسرة المغربية التي استقلت من مهام التربية، وأصبحت تترك أبناءها لتربية الشارع التي تأتي على الأخضر واليابس، ووجب النظر في السبل الكفيلة للقضاء على المخدرات التي أصبحت تباع في محيط المدرسة المغربية بشكل مفضوح، لاسيما وهذه الأخيرة تعتبر المفسر الأول لهذه الظاهرة المشينة.
المذكرة كذلك في أحد فقراتها نصت على الحزم والصرامة في التعامل مع العنف، لكن لم تقدم على شرح ولو مبسط للطريقة الممكن اعتمادها في ذلك، وبالتالي فالمذكرة يغلب عليها التعبير الإنشائي أكثر لكي لا نقول لغة الخشب التي تصاغ في المكاتب المكيفة بعيدا عن الواقع. كما أن التنصيص على المقاربة التشاركية في القضاء على العنف ما هو إلا حق أريد به باطل، المذكرة تترك مجال الاجتهاد للأطر التربوية، مع إعمال حق الفيتو والرفض بعد اتخاد الإجراءات الصارمة في حق المذنبين، والمقاربة التشاركية هذه تعمل في أساسها على تقزيم أدوار المجالس التأديبية أكثر، وجعلها مجالس صورية مادامت لم تعد تتوفر على الحق في اتخاد القرارات الزجرية الكفيلة بالقضاء على العنف المدرسي وإرجاع الهيبة للمدرسة باعتبارها حرما مقدسا.
وتأتي المقاربة الأمنية في نهاية المطاف للقضاء على العنف المدرسي عبر الحزم واليقظة، وهو ما وجب التعامل معه كذلك فيما يخص الأسرة والشارع المغربيين، لاسيما وأنها نصت على ضرورة عقد اللقاءات مع جمعيات الأباء، دون أن تتساءل عن نسبة الحضور لهذه المجالس، ومدى فاعليتها في أغلب المؤسسات المدرسية.
توصيات:
نخشى أن تكون اللغة اللبقة التي تعتمدها مثل هذه المذكرات مجرد حبر على ورق، الهدف منها امتصاص واضح لحظي لواقع مزري ليس إلا، دون أن تأخد بعين الاعتبار السبل الكفيلة بالحد من العنف المدرسي من أصوله من قبيل: -إلغاء مذكرة العقوبات البديلة. -رد الاعتبار للمدرسة المغربية فعلا بعيدا عن لغة الخشب. -اقتراح سبل كفيلة وواضحة للنظر في مشكل العنف المدرسي -رد الاعتبار لمجالس الأقسام، وجعلها في محور الحدث وأكثر فاعلية.
محمد عمراوي (ثانوية أبي العباس السبتي/ مراكش)
0 تعليقات